للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلوم الآلية (١) وفيها من الزور ومحض الكذب ما لا يظن بمن هو دونه، وما حمله على ذلك إلا الطمع في الوزير، فعاقبه الله بقطع ما كان يجري عليه من الخليفة، وأصيب بفقر مدقع وفاقة شديدة حتى صار عبرة من العبر وكان يفدُ إليّ يشكو حاله وما هو فيه من الجهد والبلاء فأبلغ جهدي في منفعته وما يسد فاقته. وهكذا جماعة من المترسلين عليّ المبالغين في إنزال الضرر بي أرجعهم الله إلي راغمين وأحوجهم لمعونتي مضطرين ولم أعاقب أحدًا منهم بما أسلفه ولا كافيته بما قدّمه. فانظر صنع الله مع من عُودي وأوذي لأجل تمسكه بالإنصاف ووقوفه عند الحق. اللهم إني أحمدك على جميل صنعك وجزيل فضلك وجميل طولك حمدًا يتجدّد بتجدد الأوقات ويتعدد بعدد المعدودات. وإني وإن لم أكن أهلًا لما أوليته فأنت له أهل وبه حقيق، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

ومما أسوقه لك أيها الطالب وأعجِّبك منه: أنه كان لي صديق بمدينة من مدائن اليمن (٢) جمعني وإياه الطلب والإلفة والوداد وكان عالي القدر رفيع المنزلة في العلم كبير السن بعيد الصيت مشهور الذكر ولعله كان يفيد الطلبة في الفقه قبل مولدي، وقرأ عليه بعض شيوخي، ورحل إلى صنعاء وطلب علوم الاجتهاد في أيام طلبي لها، وكان بيني وبينه من المودة أمر عظيم، وله معي مذاكرات ومباحثات وترسلات في فوائد كثيرة هي في مجموع رسائلي. فلما حدث ما حدث من قيام ما قام عليّ من الخاصة والعامة، وكان إذ ذاك قد فارق صنعاء وعاد إلى مدينته وعكف عليه الطلبة واستفادوا به في الفنون فقاموا عليه وقالوا: أنه بلغ إلينا ما حدث من أليفك الذي تكثر الثناء عليه والمذاكرة له من مخالفة المذهب والتظهر بالاجتهاد،


(١) في (ب) الإلهية.
(٢) راجع البدر الطالع ١/ ٢٣٣ - ٢٣٥.

<<  <   >  >>