فإن كنت موافقًا له قمنا عليك كما قام عليه أهل صنعاء، وإن كنت تخالفه فيما ظهر منه فترسل عليه فوصلت منه رسالة في عدة كراريس، وما حمله على ذلك إلّا المداراة لهم والتقيّة منهم وظاهرها المخالفة وباطنها الموافقة، مع حسن عبارة وجودة مسلك ولم أستنكر ذلك منه، ولا عتبته عليه فإن الصدع بالحق والتظهر بما لا يوافق الناس من الحق لا يستطيعه إلّا الأفراد وقليل ما هم.
ووصلت رسائل من جماعة آخرين في مدائن بعيدة من صنعاء فيها ما هو موافق لي مقوٍّ لما ذهبت إليه وفيها ما هو مخالف لذلك ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨)﴾ [هود / ١١٨] وليس بعجيب خذلان من خذلني ولم يقم بنصري ولم يصدع بالحق في أمري من علماء صنعاء العارفين بالعلوم المتمسكين منها بجانب يفرقون به بين الحق والباطل، فثورة العامة يتقيها غالب الناس ولا سيما إذا حطبوا (١) في حبل من ينتمي إلى دولة ويتصل بملك ويتأيد بصولة، ويأبى الله إلّا أن يتم نوره وينصر دينه ويؤيد شرعه.
وبالجملة: فالشرح لما حدث لي من الحوادث في هذا الشأن يطول ولو ذهبت أسردها وأذكر ما تعقبها من ألطاف الله التي هي من أعظم العبر ومنحه التي لا تبلغها الأفهام ولا تحيط بها الأوهام لم يفِ بذلك إلّا مصنَّف مستقل، وليس المقصود ههنا إلّا ما نحن بصدده من تنشيط طالب العلم وترغيبه في التمسك بالإنصاف والتحلي بحلية الحق والتلبس بلباس الصدق وتعريفه بأن قيامه في هذا المقام، كما أنه سبب الفوز بخير الآخرة، هو أيضًا سبب الوصول إلى ما يطلبه أهل الدنيا من الدنيا، وأن له الثأر على من خالفه والظهور على من ناوأه في حياته وبعد موته، وأنه بهذه الخصلة الشريفة التي هي الإنصاف ينشر الله علومه ويظهر في الناس أمره ويرفعه إلى مقام لا يصل إلى أدنى مراتبه من يتعصب في الدين، ويطلب رضاء الناس بإسخاط رب العالمين.