ذاكرته، وحواه صدره، إذا تحدث في موضع ظن السامع أنه صاحب اختصاص فيه، سلفي
العقيدة، قد رفض التقليد وخالف أباه - الذي كان شيخ طريقة - في الرسوم والبدع، وآثر مذهب شيخ
الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومع ذلك كان يأخذ البيعة من بعض الناس، ويرشدهم في
الطريق، وأثر في عقليته ما قرأه في ريعان شبابه من كتب العقليين والسيد أحمد خان وأصحابه،
فتأثر بها مع معارضته السياسية والعلمية لهذه المدرسة وأصحابها، ذكياً. جيد الفهم لكثير من الآيات
القرآنية، يفسرها بأسلوبه الأدبي القوي، فيعجب بها الشباب المتعلم، وذكاؤه يسبق علمه، وقوة بيانه
تغلب على تعمقه في العلم وسعة نظره في كتب المتقدمين، له كتاب تذكرة في ترجمة حياته، وذكر
مآثر أسلافه لم تمم، وغبار خاطر وكاروان خيال جمع فيهما رسائله الأدبية، وكلها وجهت إلى مولانا
الأمير حبيب الرحمن الشيرواني، ومجلدان من ترجمة القرآن وتفسيره، وله غير ذلك من الرسائل
والنشرات السياسية والاجتماعية.
الشيخ أحمد بن صبغة الله المدراسي
الشيخ العالم المحدث أحمد بن صبغة الله بن محمد غوث الشافعي المدراسي، أحد العلماء المشهورين
في بلاده، ولد بمدراس يوم الخميس لتسع بقين من ذي القعدة سنة سبع وستين ومائتين بعد الألف،
ونشأ في مهد العلم والمشيخة، وقرأ على السيد إسحاق ومولانا محمد سعيد وعلى غيرهما من العلماء،
وفرغ من تحصيله سنة ثلاثمائة وألف، واشتغل بالتدريس والتصنيف.
ومن مصنفاته: الفتاوي الصبغية، ومختصر في الفقه، وتحفة صلاح حاشية توشة فلاح في المناسك،
وقاطعة اللسان لمن أنكر قراءة نظم القرآن وتفضل العلوم، وتكملة تلقيح الأثر، وتخريج أحاديث
صفوة التصوف، وأسماء الرجال لشيوخ محمد بن طاهر المقدسي، والأربعين من سيد الأولين
والآخرين، وفهرس الأسماء المبهمة، وفهرس الأسماء المتشابهة في الرجال، والتاريخ الأحمدي.
مات في الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثلاثمائة وألف بمكة المباركة.
السيد أحمد بن عبد الرحمن الدهلوي
الشيخ الفاضل أحمد بن عبد الرحمن الحسيني الدهلوي صاحب المعجم المشهور فرهنك آصفيه، ولد
ونشأ بدهلي، وقرأ العلوم الآلية، وتفنن في الفضائل على أهل عصره، ثم ولي التدريس فدرس زماناً
بدهلي وشمله.
له مصنفات كثيرة أشهرها فرهنك آصفيه في أربعة مجلدات كبار في اللغة الهندية يسمونها أردو،
تلقاها محبوب علي خان ملك الدكن، وأعطاه خمسة آلاف ربية جائزة على هذا التصنيف، ورتب له
خمسين ربية شهرية، واشترى منه أربعمائة نسخة من ذلك الكتاب، وفرقها على أهل العلم، ومن
مصنفاته: رسوم دهلي.
توفي في التاسع عشر من رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وألف.
الشيخ أحمد بن عبد القادر الكوكني
الشيخ الفاضل العلامة أحمد بن عبد القادر الجيتكر الشافعي الكوكني، نسبة إلى كوكن، على ما قيل
طائفة من قريش خرجت من المدينة المنورة في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي خوفاً منه، فوصلت
ساحل بحر الهند، وسكن بعض أفرادها في مدراس وحواليها، واشتهروا بالنوائط، وتوطن بعضهم في
كوكن، وهي منطقة معروفة على ساحل بحر الهند فانتسبوا إليها، وكلهم شافعيون.
والشيخ أحمد ولد عشية النصف من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف، وسماه باسمه أحد
السادات الحضرمية كان نازلاً عند أبيه في مدينة بمبىء، وهو نشأ في عفاف وطهارة، وكان من
صغر سنه مشهوراً بالفطنة والذكاء، مجبولاً على الكرم والسخاء، قرأ القرآن على الشيخ آدم
الدهشني، والمختصرات على الحافظ محمد علي الكوكني وعلى غيره من علماء المعمورة، ثم لم يزل
مشمراً عن ساق الجد في طلب العلم حتى فاق أقرانه، فقرأ المنطق والحكمة والأصول