للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل الرضا بقالبهم، وذلك يكون جميع زمانهم إما في الصلاة

وإما في تلاوة القرآن وإما في الذكر، ولا يكون للبطالة إليهم سبيل، حظ نفسهم النوم فلهم فيه

إستراحة، والأكل بقدر الحاجة، ورعاية الاعتدال في النوم والأكل، وهؤلاء القوم يزهدون في

كثير من أبواب البر ويشغلهم ما يجدون في قلوبهم نقداً من الروح والأنس والتلذذ بمناجاة الله

تعالى والمعاملة معه عن الوعد بما يكون من الثواب على البر، وهؤلاء اشتغلوا بأبواب البر

مما يتعدى نفعه، والأصحاء منهم كانوا في حماية حسن النية، ومنهم من دخل في أبواب البر

بمتابعة هوى النفس، وربما اتسع الخرق عليه فما زال يلعب به الشيطان حتى قطع عليه

وقته وشغله بكثير مما لا يغنيه عما يغنيه، وخدع النفس كثير وشهواتها الخفية عن الوقوف

عليها، وصادق يستعين بالخلوة والعزلة على تبين ما يشتبه من أمره، قيل: أدنى الأدب

الوقوف عند الجهل، وغاية الأدب الوقوف عند الشبهة، والمعنى بالجهل ما يجهل هل هو

رضا الحق أم لا، والمعنى بالشبهة أنه يعلم رضا الله تعالى ولكن عنده فيه شبهة تريبه،

فيتوقف في الشيء حتى يبين له الرشد، ولا شيء يبين به الرشد كدوام الالتجاء والتضرع بين

يدي الله تعالى عز وجل، وإذا دعت النفس له إلى شيء ومالت إليه والعبد يقاومها والنفس

تأبى الاحتراز فليخرج إلى الصحراء ويخلو بربه ويمرغ خده في التراب ويضع التراب على

رأسه حتى يعينه الله على ترك ما يريب إلى ما لا يريب، ومبدأ الأمر صحة التوبة وتقييده

الجوارح من المناهي والمكاره قولاً وفعلاً، ثم تقييدها عما لا يعنيه، ثم بعد هذا صحة

الأمر في الزهد في الدنيا، وجواهر الزهد اليأس عن الخلق واستواء قبولهم وردهم، وعند

اليأس عن الخلق دوام الروم وصحة العبادة ووجدان اللذة فيها، ونعم المعين بعد العزلة خفة

المعدة وقيام الليل، فإذا استقام قلب العبد بالتقوى والزهد لا يتخلف قلبه عن لسانه في

الصلاة والأذكار ويمكنه الله تعالى من حسم مادة حديث النفس في الصلاة والتلاوة، وقال

بعضهم: أسوأ المعاصي حديث النفس في الصلاة والتلاوة، وقال بعضهم: من انتقل من نفس

إلى نفس من غير ذكر فقد ضيع حاله واشتغاله بما لا يعنيه وتركه ما يعنيه وقد قال الله

"ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين"، ويحفظ الصادق الجمعة

والجماعة وتكفيه من بركة المسلمين الحضور معهم في الجمعة والجماعة، ويبكر إلى الجامع

من طلوع الشمس، ويشتغل وقته بأنواع العبادات، ويحذر مجالسة الخلق إلا مع مفيد أو

مستفيد، فالمفيد من يسلك به طريق المقربين، والمستفيد من يسلك إلى قوة في الحال، ولكل

وجهة هو موليها، إلى غير ذلك.

وكانت له ثلاث زوجات، إحداهن بنت عمه محمد وولدها ناصر الدين محمود، ثانيتهن من

عشيرة السادة من أهل دهلي وولدها عبد الله، وثالثتهن كانت من العائلة الرومية وولدها

علي أكبر، كما في تذكرة السادة البخارية للسيد علي أصغر الكجراتي.

وكانت وفاته سنة خمس وثمانين وسبعمائة، كما في أخبار الأخيار.

الشيخ حسين بن محمد الكرماني

الشيخ العالم الصالح الحسين بن محمد بن محمود الحسيني الكرماني الشيخ قطب الدين

الدهلوي كان من الرجال المعروفين بالفضل والصلاح، قرأ العلم على مولانا فخر الدين

الزرادي وأخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد البدايوني، وصحبه منذ

نعومة أظفاره إلى سن الكهولة وكان صاحبه وكاتبه، انتقل إلى ديوكير بأمر محمد شاه تغلق

في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ولبث بها زماناً ثم رجع إلى مدينة دهلي، ومات بها بالفالج

في الحادي والعشرين من شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، كما في سير الأولياء.

الشيخ حسين بن عمر الغياث بوري

الشيخ العالم الصالح حسين بن عمر العريضي الغياث بوري أحد المشايخ الجشتية، ولد

بغياث بور سنة ثمان وستين وستمائة، وأخذ الطريقة عن الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين

محمد البدايوني، وانتقل من دهلي إلى كجرات سنة اثنتين وسبعمائة، وسكن بمدينة فتن،

وعمره قارب ثلاثين ومائة سنة، له حاشية على هداية الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>