للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيما الفقه والأصول إلى سنة سبعين ومائتين وألف، وكان

له ذوق عظيم في الفقه الحنفي، ثم غلب عليه حب القرآن والحديث، فترك اشتغاله بما سواهما إلا

الفقه.

وإني حضرت دروسه سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، فوجدته إماماً جوالاً في الحديث والقرآن،

حسن العقيدة، ملازماً للتدريس ليلاً ونهاراً، كثير الصلوات والتلاوة، والتخشع والبكاء، شديد التعصب

على من خالفه، مداعباً مزاحاً، متواضعاً حليماً، ذا جرأة ونجدة، لا يخاف في الله لومة لائم، ورزقه

الله سبحانه عمراً طويلاً، ونفع بعلومه خلقاً كثيراً من أهل العرب والعجم، انتهت إليه رئاسة الحديث

في بلاد الهند.

وكان - رحمه الله - من أوذي في ذات الله سبحانه غير مرة، واتهمه الناس بالاعتزال عن أهل

السنة والجماعة، وبالخروج على ولاة الهند، فقبض عليه الإنكليز سنة ثمانين أو إحدى وثمانين،

فنقلوه إلى بلدة راولبندي من أرض بنجاب، فلبث في السجن سنة كاملة، ثم أطلقوه، فعاد إلى دهلي

واشتغل بالدرس والإفادة كما كان يشتغل بها قبل ذلك، ثم إنه لما رحل إلى الحجاز سنة ثلاثمائة

وألف، رموه بالاعتزال وبأنه يقول بحلة شحم الخنزير، وبأن النكاح بالعمة والخالة جائز، وبأن الزكاة

ليست في أموال التجارة، وهكذا رموه بما هو بريء عن ذلك، فرفعوا تلك القصة إلى والي مكة

فقبض عليه الوالي، واستنطقه وحبسه يوماً وليلة، ثم أطلقه، ثم إنه لما عاد إلى الهند بدعوه وكفروه،

كما كفر الناس في الزمن السالف كبار العلماء من الأئمة المجتهدين، والله سبحانه مجازيهم في ذلك،

فإن الشيخ كان آية ظاهرة، ونعمة باهرة من الله سبحانه في التقوى والديانة، والزهد والعلم والعمل،

والقناعة والعفاف، والتوكل والاستغناء عن الناس، والصدق وقول الحق، والخشية من الله سبحانه،

والمحبة له ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، اتفق الناس ممن رزقه الله سبحانه حظاً من علم

القرآن والحديث على جلالته في ذلك.

وكان شيخنا حسين بن محسن الأنصاري اليماني يحبه حباً مفرطاً ويثني عليه، وقد كتب في جواب

عن سؤال ورد عليه في حق السيد نذير حسين المترجم له: إن الذي أعلمه وأعتقده وأتحققه في مولانا

السيد الإمام والفرد الهمام نذير حسين الدهلوي أنه فرد زمانه ومسند وقته وأوانه، ومن أجل علماء

العصر، بل لا ثاني له في إقليم الهند في علمه وحلمه وتقواه، وأنه من الهادين والمرشدين إلى العمل

بالكتاب والسنة والمعلمين لهما، بل أجل علماء هذا العصر المحققين في أرض الهند أكثرهم من

تلامذته، وعقيدته موافقة لعقيدة السلف الموافقة للكتاب والسنة ع:

وفي رؤية الشمس ما يغنيك عن زحل

فدع عنك قول الحاسد العذول، والأشر المخذول، فإن وبال حسده راجع إليه وآئل عليه، أم يحسدون

الناس على ما آتاهم الله من فضله فمن نال من هذا الإمام الهادي إلى سنة خير الأنام فقد باء

بالخسران المبين، وما أحسن ما قال القائل:

ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في ملكه لأنك لم ترض لي ما وهب

اللهم! زد هذا الإمام شرفاً ومجداً، واخذل شانئه ومعاديه، ولا تبق منهم أحداً، هذا ما أعلمه وأتحققه

في مولانا السيد نذير حسين أبقاه الله، والله يتولى السرائر، انتهى ما كتب شيخنا حسين بن محسن

المذكور.

ولم يكن للسيد نذير حسين كثرة اشتغال بتأليف، ولو أراد ذلك لكان له في الحديث ما لا يقدر عليه

غيره، وله رسائل عديدة، أشهرها معيار الحق، وواقعة الفتوى ودافعة البلوى، وثبوت الحق الحقيق،

ورسالة في تحلي النساء بالذهب، والمسائل الأربعة، كلها باللغة الأردوية، وفلاح الولي باتباع النبي،

ومجموعة الفتاوى بالفارسي، ورسالة في إبطال عمل المولد، بالعربي، وأما الفتاوى المتفرقة التي

شاعت في البلاد فلا تكاد أن تحصر، وظني أنها لو جمعت لبلغت إلى مجلدات ضخام.

وأما تلامذته فعلى طبقات، فمنهم العالمون الناقدون

<<  <  ج: ص:  >  >>