للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ إلى داره وفرغ من صلاة الظهر أمر باحضار القاضي

محي الدين الكاشاني والقاضي ضياء الدين البرني وخسرو بن سيف الدين الدهلوي وقال:

إني عجبت اليوم من جرأة الفقهاء كيف أنكروا الأحاديث وقالوا: إن الرواية الفقهية مقدمة

عليها، وبعضهم قالوا: إن ذلك الحديث متمسك للشافعي وهو عدو لعلمائنا فلا نستمعه ولا

نعتقده، وقالوا ذلك بمحضر الصدور والقضاة، فكيف يصح اعتقادهم في الأحاديث! فإن

رضى السلطان بها ومنع عن رواية الحديث أخاف أن يحل عليهم غضب الله سبحانه

ويهلك الحرث والنسل بسوء اعتقاد العلماء بالحديث، قال الكرماني: وقد وقع ما قال الشيخ

بعد بضع سنين من يد محمد شاه تغلق، فإنه قتل من السادة والأشراف ما لا يحصر بحد

وعد، ثم أخرج الناس من دهلي إلى دولت آباد فلم يبق في دهلي أحد، ومضت على ذلك

شهور وأعوام وكان ذلك بعد وفاة الشيخ.

قال الكرماني في سير الأولياء إنه كان حنفياً ولكنه كان يجوز القراءة بالفاتحة خلف الإمام

في الصلاة وكان يقرؤها في نفسه، فعرض عليه بعض أصحابه ما روى: إني وددت أن الذي

يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة، فقال: وقد صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صلاة لمن لم

يقرأ بفاتحة الكتاب، فالحديث الأول مشعر بالوعيد والثاني ببطلان الصلاة لمن لم يقرأ

بالفاتحة، وإني أحب أن أتحمل الوعيد ولا أستطيع أن تبطل صلواتي، على أنه قد صح في

الأصول أن الأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف أولى، وكان رحمه الله يجوز صلاة الجنازة

على الغائب ويستدل عليه بالحديث المشهور، وكان يقول: إذا سمعتم بالحديث ولم تجدوه في

الصحاح فلا تقولوا: إنه مردود، بل قولوا: إنا ما وجدناه في الكتب المتلقاة بالقبول.

وكان يستمع الغناء بالدف وإذا أراد أن يستمع يقل في طعام الإفطار قبل ذلك بيومين، وكان

إفطاره بمقدار قليل لا يستطيع الرجل أن يعتاده، وكان مغنيه ذا دين، وكان تواجده أن يقوم

على سجادته ويبكي بكاء شديداً تبل دموعه المناديل، وكان يحب أن يخفي على الناس

بكاءه، وقلما رآه الناس باكياً وإنما يعرفون ذلك ببل المناديل، فكان يمسحها بيده ومنديله،

ولم يسمع منه في ذلك الحال صوت التأوه قط، وكان يحترز عن المزامير ويمنع أصحابه عن

ذلك ويقول: إنها حرام في الشريعة المطهرة، وكان يقول: إن السماع على أربعة أقسام: حلال

وحرام ومكروه ومباح، فإن كان المستمع له ميلان إلى الحقيقة فله مباح، وإن كان له ميلان

إلى المجاز فله مكروه، وإن كان قلبه متعلقاً بالمجاز بأسره فعليه حرام، وإن كان قلبه متعلقاً

بالحقيقة بأسرها فله حلال، وكان يقول: إن للسماع آداباً من حيث المستمع والمسمع

والمسموع وآلة السماع، فلا بد أن يكون المستمع مائلاً إلى الحق، والمسمع رجلاً صالحاً لا

امرأة ولا أمرد، والمسموع خالياً عن الهزل، وآلة السماع لا تكون محرمة كالسنك والرباب

وغيرهما من المعازف والمزامير، ويقول: لا بد أن يكون المجلس خالياً من غير الصلحاء،

انتهى.

وقد ذكره علي بن سلطان القاري المكي في كتابه الأثمار الجنية في أسماء الحنفية وقال: إنه

شيخ فقيه علماً وحالاً، وإليه المنتهى في دعاء الخلق إلى الله تعالى وتسليك طريق العبادة

والانقطاع عن علائق الدنيا، هذا مع التضلع من العلوم الظاهرة والتبحر في الفضائل الفاخرة،

ومكاشفاته والخوارق التي ظهرت على يده ولسانه أكثر من أن يطمع في إحصائها بقلم

ولسان، وقبره اليوم مقصد جميع أهل تلك البلاد من الحاضر والباد، وقلد المسلمون في

تعظيمه الكفار فيقصدونه للتكريم والزيارة، انتهى.

وقد ذكره مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس في كتابه الألطاف الخفية في أشراف

الحنفية وذكره عبد الرحمن الجامي في كتابه نفحات الأنس وحضرات القدس.

<<  <  ج: ص:  >  >>