للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيجانكر، وأقام بمعسكره ليستشير أصحابه

في الحرب، فإن رضوا بالحرب حاربوه وإلا يذهب إلى بيجانكر ويتحصن بها، والأحمال التي

بعثها إلى بيجانكر لم تتجاوز ميلين لشدة الوحل ذلك اليوم، فلما سمع محمد شاه أنه ينتهز

الفرصة للفرار بكر إليه بعساكره، فتركوا الفيلة والأموال وما كان معهم من الأحمال وفروا إلى

قلعة أودني فأقام محمد شاه في معسكره وقبض على أمواله وأمر بالقتل، فقتل من الوثنيين في

ذلك اليوم سبعين ألفاً من الرجال والنساء والولدان من غير تفريق، وحصل له من المغانم

ألفان من الفيلة وثلاثمائة من عجلات المدافع وسبعمائة من الأفراس ومعها سنكاسن

المرصعة من خاصته.

ثم سار إلى مدكل وأقام بها، ولما انقضت أيام المطر قصد قلعة أودني فلما سمع صاحب

بيجانكر استخلف بها ابن أخيه وذهب إلى ناحية من نواحي بلاده، فسار محمد شاه إلى

بلاد بيجانكر مع المقاتلة، وأرسل الأحمال والأفيال إلى كلبركه وقصد معسكر صاحبها،

فبعث إليه صاحب بيجانكر مقدم عساكره بأربعين ألف فارس وخمسمائة ألف راجل،

وكان عساكر محمد شاه خمسة عشر ألف فارس وخمسين ألف راجل مع ما لحق به من

بعض عساكر الأمراء بعد خروجه عن كلبركه، فالتقوا واقتتلوا وانهزم الوثنيون، وأكثر محمد

شاه في القتل فلم ينج منهم إلا القليل النادر، وأقام بها سبعة أيام، وسار محمد شاه في أثر

صاحب بيجانكر من طريق إلى طريق ومن مضيق إلى مضيق حتى وصل إلى بيجانكر

وحاصرها وضيق على أهلها وأدام الحصار إلى شهر كامل، ثم دبر الحيلة وتمارض وأمر

برجوع العساكر من بيجانكر، فلما سمع المشركون ذلك طمعوا في قتلهم ونهب أموالهم،

فخرج صاحب بيجانكر من القلعة وتعقب المسلمين حتى وصل إلى ماء تمهندره وعبرها

ووصل إلى أرض قفراء، فقام محمد شاه من فراشه وجلس للناس وقت المساء وقويت

عساكره برؤيته فأمرهم أن تجهزوا للحرب، وسار بعساكره في الليل إلى معسكر المشركين

وكانوا مشتغلين بالرقص والغناء، ولم يعلموا بمجيئه إلا حين وقف على رؤوسهم في البكرة،

فاختلت حواسهم وفر كل واحد منهم إلى ناحية من نواحي الأرض وتركوا جميع ما لهم من

الأموال والأحمال، وأمر محمد شاه بقتلهم فقتلوا منهم حينئذ عشرة آلاف، وغنم محمد شاه

أموالاً طائلة، ثم تعقبهم إلى أربعين ميلاً من بيجانكر وقتل ونهب، فاضطروا إلى الصلح

وأرسل كشن راي إلى محمد شاه يطلب الصلح على مال يؤديه عاجلاً، فرجع محمد شاه إلى

كلبركه واشتغل بمهمات الدولة، واستقل بالملك سبع عشرة سنة وتسعة أشهر، وتاب في

آخر عمره من الخمر.

وكانت وفاته في تاسع ذي القعدة الحرام سنة ست وسبعين وسبعمائة، كما في تاريخ

فرشته.

الشيخ محمد بن عبد الرحيم الأرموي

الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة محمد بن عبد الرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين

الشافعي الهندي الأرموي أحد مشاهير العلماء، ولد بالهند في ربيع الآخر سنة أربع

وأربعين وستمائة، وأخذ عن جده لأمه، وخرج من بلدته في رجب سنة سبع وستين

وستمائة ودخل اليمن، فأكرمه المظفر وأعطاه تسعمائة دينار، ثم حج فأقام بمكة ثلاثة أشهر،

ورأى بها ابن سبعين وسمع كلامه، ثم دخل القاهرة في سنة إحدى وسبعين وستمائة ودخل

البلاد الرومية، وخرج منها سنة خمس وثمانين وستمائة، ودخل دمشق فاستوطنها وسمع

من الفخر ابن البخاري، وقعد في الجامع ودرس بمدارس وكتب على الفتاوي مع الخير

والدين والبر للفقراء، وصنف في أصول الدين الزبدة وفي أصول الفقه النهاية والفائق والرسالة

السبعية.

وقد ذكره تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى والحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر

الكامنة والقاضي محمد بن علي الشوكاني في البدر الطالع والسيد صديق حسن القنوجي

في أبجد العلوم وفي التاج المكلل وغيرهم في غيرها من الكتب.

قال السبكي في طبقاته: إنه كان من أعلم الناس بمذهب أبي الحسن وأدراهم بأسراره

متضلعاً بالأصلين، اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>