للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ يعقوب بن الحسن الصرفي

الكشميري الذي أخذ عن الشيخ شهاب ابن حجر الهيتمي المكي، ثم تناول الحديث المسلسل بالأولية

عن القاضي بهلول البدخشي عن الشيخ عبد الرحمن فهد عن أبيه الشيخ عبد القادر وعمه الشيخ جار

الله عن أبيهما الحافظ عز الدين عبد العزيز عن جده الحافظ الرحلة تقي الدين محمد بن فهد العلوي

الهاشمي والحافظ الحجة شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وللشيخ أحمد اجازة برواية الكتب

الحديثية وغيرها عن القاضي المذكور.

ولما فرغ من تحصيل ما تيسر له من العلوم الظاهرة وكان إذ ذاك ابن سبع عشرة سنة اشتغل

بالتدريس والتصنيف، ومما صنفه في تلك الأيام رسالة في إثبات النبوة وأخرى في الرد على الشيعة

الإمامية وغير ذلك مما أثنى عليه العلماء، وألبسه أبوه خرقة الخلافة.

فلما توفي أبوه عام سبعة وألف ارتحل إلى دهلي يريد الحج فقاده قائد توفيق من الله عز وجل إلى

الشيخ الأجل رضي الدين عبد الباقي النقشبندي رضي الله عنه، فأخذ عنه الطريقة النقشبندية،

واشتغل بها وتدرج في أيام معدودات إلى أوج القطبية والفردية ثم إلى ما شاء الله تعالى، حتى بشره

الشيخ بحصول رتبة التكميل والترقي إلى مدارج القرب والنهاية، وثم أجاز له بارشاد الطالبين

وألبسه خرقة الخلافة، ولم يزل يكرمه ويجله ويفتخر به ويثني عليه بما لا يبلغ وصفه.

فرجع إلى سرهند وجلس على مسند الإرشاد، وأخذ في الدرس والإفادة، وكان يدرس في علوم شتى

من الفقه والأصول والكلام والتفسير والحديث والتصوف، وربما يشتغل بالهداية والبزدوي وشرح

المواقف والبيضاوي والمشكاة والبخاري والعوارف، ولد مكتوبات في ثلاثة مجلدات، وهي الحجج

القواطع على تبحره في العلوم الشرعية، وفيها ما لا يتبادر إلى الأذهان لمن ليس لهم درك في

مقامات العرفان، فشدوا النطاق في خصامه، وسعوا إلى جهانكير بن أكبر سلطان الهند، فأمر باحضار

الشيخ ورضي بجوابه، فعرضوا عليه أن الشيخ ما سجد للسلطان تكبراً مع أنه ظل الله وخليفته، بل

لم يتواضع تواضعاً جارياً، فغضب عليه السلطان وحبسه في قلعة كواليار، وكان شاهجهان ولد

جهانكير مخلصاً للشيخ فأرسل إليه أفضل خان والمفتي عبد الرحمن من رجاله مع بعض كتب الفقه

قبل أن يحضر عند السلطان وقال إن سجدة التحية تجوز للسلاطين، فان تسجدوا للسلطان عند اللقاء

فأنا ضامن من أن لا يصل إليكم ضرر منه، فلم يقبل الشيخ وقال: هذه رخصة والعزيمة أن لا يسجد

لغير الله سبحانه، فلبث في السجن ثلاث سنين وحفظ القرآن في تلك الحالة، ثم أخرجه السلطان من

السجن بشرط أن يقيم في عسكره ويدور معه، فأقام الشيخ في معسكره ثماني سنوات، وبعد وفاة

السلطان رخصه ولده شاهجهان المذكور، فعاد إلى سرهند وصرف عمره بالدرس والإفادة.

ومن مصنفاته الرسالة التهليلية ورسالة في إثبات النبوة ورسالة في المبدأ والمعاد، وله رسالة في

المكاشفات الغيبية، ورسالة في آداب المريدين، ورسالة في المعارف اللدنية، ورسالة في الرد على

الشيعة، وتعليقات على عوارف المعارف للسهروردي، ومكتوبات في ثلاث مجلدات: المجلد الأول

يشتمل على ثلاثمائة وثلاثة عشر مكتوباً، والثاني على تسعة وتسعين مكتوباً، والثالث على مائة

وأربعة عشر مكتوباً، وله غير ذلك من المصنفات الرشيقة الممتعة، وفي كل ذلك كشف القناع عن

وجوه الحقائق والمعارف مما لم يتيسر لأحد قبله.

قال الشيخ محسن بن يحيى البكري التيمي في اليانع الجني: ولقد بلغه الله سبحانه من الولاية منزلة

لا يرام فوقها، وهدى به بعهده ثم بأصحابه من بعده خلقاً لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج عدداً،

فلا ترى ناحية من نواحي المسلمين في بلاد الهند وخراسان وما وراء النهر من بلاد الترك والتتر

إلى أقصى ثغر بالمشرق ثم أرض العراق والجزيرة وبلاد الحجاز والشام وقسطنطينية وما والاها إلا

وقد نمى فيها طريقته وجرى على ألسنة أهلها ذكره، إليه ينتمون وبه يتبركون، بل دخلت طريقته

إلى أقصى المغرب مثل فاس وغيرها، يعرف ذلك بمراجعة المنح البادية لمحمد بن عبد الرحمن

الفاسي وغير ذلك، وفي هذا حجة واضحة على جليل شأنه عند الله ورفيع مكانه في

<<  <  ج: ص:  >  >>