أولياء الله، حيث
أشاع طريقته في مشارق أرضه ومغاربها، وعم هذه الأمة برغائب فيوضه وغرائبها، ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومن مصنفاته المشهورة الأسفار الثلاثة من مكاتيبه، بحر من العلم والحقائق وكنز من الرموز
والدقائق، ورسائل مفردة كالمبدأ والمعاد والمعارف اللدنية والمكاشفات الغيبية وغير ذلك، وله رضي
الله عنه في بيان العقائد على مذهب الماتريدية ولتهذيب طريقة الصوفية النقشبندية لسان أي لسان!
ومن أياديه على رقاب كثير من الناس أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود وبين وحدة الشهود، وبين
أن وحدة الوجود شيء يعتري السالك في أثناء السلوك، فمن ترقى مقاماً أعلى من ذلك يتجلى له
حقيقة وحدة الشهود، فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية ويتأول كلامهم
على أهوائه الزائغة، ومنها أنه باحث الملاحدة الذين كانوا في زمانه وجادلهم جدالاً حسناً بقلمه
ولسانه، وكذلك رد على الروافض ونقض بدعاتهم، ورد على الضعفاء مكايدهم، فحمى بذلك حمى
الدين، وحرس بيضة المسلمين، ومنها أنه حقق الفرق بين البدعة والسنة وأقيسة المجتهدين،
واستحسانات المتأخرين، والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير، وما أحدثه الناس في القرون
المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم، فرد بذلك مسائل استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه، ومنها أنه كان
يأمر بما يراه معروفاً وينهى عن ضده، ولا يخشى في الله لومة لائم ولا يخاف من ذي سطوة في
سلطانه، فكان ينكر على الأمراء ويرشدهم إلى مراشد دينهم، وينفرهم من صحبة الروافض ومن
شاكلهم من أعداء الدين، ويبذل لهم نصحه، فنفع الله كثيراً منهم بذلك، وصلحت بصلاحهم الرعية،
فسد الله ثلمة ظاهر الدين كما رقع به خرق باطنه، فهذب به وبأصحابه في البلدان النائية فئام ممن
وفق لسبيل القوم، وذلك لأنه كان فقيهاً ماتريدياً زكي النفس، حريصاً على اتباع السنن مجتهداً فيه،
شديد النصح لأبناء زمانه، فجاءت لذلك - والله أعلم - طريقته وعلومه وشمائله محمودة عند
المحققين وأهل الإنصاف، ورغب فيها الناس وقل ما تعقب به ورد من قوله، والمسائل التي شدد بها
النكير عليه بعض أهل العلم، والحق أنه مصيب في بعضها وله تأويل سائغ في البعض الآخر، وقد
شاركه فيها غيره من هذه الطائفة ممن لا يحصى كثرة، فليس إذاً يخصه الإنكار، ولو أخذناهم بأمثال
ذلك لم ينج أكثر المتأخرين منهم، ولا يتعين القول بالخطأ فيها إلا في مسألة أو مسألتين من باب
السنن قد اعتذروا عنه في أحدهما والعذر فيهما واحد، وقد شهد له بما ذكرت من فضائله أو بما يقرب
منه، وأجاب عن شبهات المتقشفة وذب عنه الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي وأنعم
الثناء عليه، فلم يترك فيه مجالاً لعائب ولا مقالاً لرائب، وكفاك به إماماً يشهد لإمام، والقول ما قالت
به حذام، انتهى.
وأما مخالفوه فمنهم الشيخ محمد صالح الأورنك آبادي ومحمد عارف وعبد الله السورتي من أصحاب
الشيخ محمد صالح، فانهم صوروا سؤالاً وذكروا فيه أقوالاً، وزعموا أنهم استخرجوها من مكتوبات
الشيخ أحمد، ثم عربوها بقدر معرفتهم ومقتضى مرادهم وأرسلوها إلى السيد محمد البرزنجي أحد
مجاوري المدينة المنورة، ثم بعد وصول ذلك السؤال إليه علق رسالة بتكفير الشيخ أحمد بسبب
الأقوال المكتوبة في السؤال بملائمة خاطر المرسل إليه وتصدى لإثبات كفره بها، وسأل قاضي
المدينة المنورة ومفتيها وعلماءها أن يكتبوا على تلك الفتوى على وفق مراده، فامتنعوا عن ذلك
وردوا عليه كلاماً وأجوبة تليق بالعلماء العاملين لعلمهم، ثم بعد ذلك أتى إلى مكة المشرفة فسأل
الكتابة على السؤال المذكور من قاضيها ومفتيها وعلمائها أيضاً، فما وافقه على ذلك أحد فأجابوه
بقولهم: هذا الأمر الذي ارتكبته عظيم، فلا يوافقك في تكفير مسلم إلا كل هالك، وما وافقه بالكتابة من
العلماء على ذلك إلا آحاد من الناس ممن لا معرفة له بالطريقة، وبعضهم وافقه لملائمة هواه،
وبعضهم لا علم له رأساً ولا حقيقة، فحصل ما حصل من القيل والقال، فاحتاج الناس إلى تتبع
مكتوبات الشيخ المذكور وتعريب ألفاظه من الفارسية إلى العربية على وجه يتضح الحق على الناس،
ولذلك صرف الشيخ الأجل العالم الفاضل نور الدين محمد بيك همته