طويلة ولم ترغب إلى النكاح قط حتى قيل إن السلطان جهانكير بن أكبر شاه المذكور أراد أن
يستنكحها فلم تقبله، وتشرفت بالحج والزيارة، ولها تفسير على القرآن الكريم وأبيات رائقة بالفارسية
منها قوله:
عاشق زخلق عشق تو بنهان جسان كند بيدا است از دو جشم ترش خون كريستن
توفيت سنة سبعين وألف، كما في مرآة جهان نما.
جهان آرا بيكم
بنت السلطان الباذل شهاب الدين محمد شاهجهان الكوركاني، ولدت ليلة السبت لتسع بقين من صفر
سنة ثلاث وعشرين وألف ونشأت في مهد السلطنة، وأخذت القراءة والتجويد عن ستي خانم أخت
الآملي، وتعلمت الخط واللغة الفارسية عنها وتأدبت عليها، وبرعت في الإنشاء والشعر وتدبير
المنزل وفنون أخرى، ونالت من والدها منزلة جسيمة حتى صارت محسودة عند اخوتها كانت
اقطاعها تغل ستين مائة ألف ستة ملايين، مائة ألف في كل سنة، وكانت تبذل كلها في الخيرات
والمبرات، ولها مصنفات منها مؤنس الأرواح كتاب بسيط في أخبار المشايخ الجشتية.
ومن مآثرها الجميلة جامع كبير بمدينة آكره خارج القلعة، بنته من حمر الحجارة المنحوتة أبدع
نحت، وأنفقت عليه خمسمائة ألف من النقود، كما في بادشاه نامه.
توفيت في ثالث رمضان سنة اثنتين وتسعين وألف في أيام صنوها عالمكير، فدفنت بدهلي في
حظيرة الشيخ الإمام نظام الدين محمد بن أحمد البدايوني، وقبرها محاط بالتفاريج من بيض الحجارة
المنحوتة غير مسقف تعلو عليه الخضرة، وقد كتبوا على الرخام هذا البيت من إنشائها ونصبوه عند
رأسها:
بغير سبزه نبوشد كسى مزار مرا كه قبر بوش غريبان همين كياه بس است
جاند سلطان الأحمد نكرية
كانت أخت برهان نظام شاه البحري، تزوج بها على عادل شاه البيجابوري، فلما مات عادل شاه
المذكور قامت بحضانة ابن أخيه إبراهيم عادل شاه بأرض بيجابور، وحملت أعباء السلطنة وقابلت
الخطوب مقابلة جيدة، واستقام أمرها مع طول مدتها، فلما بلغ إبراهيم سن الرشد رجعت إلى أحمد
نكر، فلما توجه مراد بن أكبر شاه الدهلوي بأمر والده إلى أحمد نكر وتوجه معه عبد الرحيم بن بيرم
خان وجمع كثير من الأمراء مع عساكرهم فحاصروا القلعة ثم ضيقوا على أهلها فقامت تلك المرأة
الوحيدة للدفاع، ودافعت عنها كل المدافعة حتى استيأس الأمراء الأكبرية عن فتحها، فاجتمعوا
وشاوروا في ذلك ثم نقبوا حول القلعة في مواضع عديدة وأوصلوا النقوب إلى جدران القلعة تحت
الرض بحيث ما ظهر الأمر على أحد ثم ملاؤها بالبارود وسدوا أفواه النقوب ليوقدوا النار فيها في
وقت واحد وترقبوا ذلك الوقت، فقام أحد منهم فأخبر أهل القلعة بذلك ترحماً بهم، فقاموا وتجسسوا ثم
حصروا وخلوا نقبين من البارود وملاؤهما بالحجارة ثم اشتغلوا بالتجسس حتى حان الوقت الموعود
وطار الجدار من جانب بقدر مائة ذراع في الطول وفر الناس من هيبتها، فلما سمعت جاند سلطان
تلك القصة قامت متنقبة متدرعة وسلت السيف، ثم جاءت إلى الجدار وأمرت الجنود أن يرموا
النشاب إلى العساكر الأكبرية لئلا يقتحموا عليهم، وصارت تجتهد في ذلك كل الاجتهاد حتى استيأس
الأمراء عن دخولهم القلعة من تلك الفتقة فرجعوا إلى منازلهم، وأما جاند سلطان فانها لم ترجع إلى
منزلها حتى رفعت الجدار في تلك الليلة قدر مائة ذراع من طول وثلاثة أذرع من فوق، فلما رأى
مراد جهادها في الدفاع مال إلى الصلح وقبل أرض برار على طريق النذر ثم سافر إلى برار،
وأجمع الناس كلهم من مؤالف ومخالف أن الشهامة التي صدرت من جاند سلطان هي مما لا نظير
له.
ولكن الدهر أبو العجائب! هي التي دافعت عن بلادها وأجمع الناس على شهامتها وقتلت من أيدي
أبناء الوطن وظن الناس أنها رغبت إلى سلطان الهند! وحاشا لله أن يصدر من مثلها ما يكون سبباً
لزوال