تنزيه المقصود وتفريد الهمة وتجريد التوحيد
ومطالعة الجمال في الأنفس والآفاق والإطلاق والفناء في اللاهوت والبقاء بالهاهوت والذكر
بالاجتماع والجمع بين الجهر والخفاء والحد مع الأصفياء والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في الابتداء والانتهاء.
ومن فوائده رحمه الله
الفناء فقدان لوازم البشرية إما ذهولاً عن علمها أو علماً بانعدامها أو حالاً حقيقياً، والفناء على تسع
مراتب، الأولى الذهول وهو عبارة عن عدم شعور العبد بنفسه عند الاستغراق في ذكر الحق لأهل
الحجاب أو عند بروز أنوار الجمال لأهل الكشف، الثانية الذهاب وهو فناء العبد عن أفعاله لشهود
أفعال الحق كالقلم بيد الكاتب وقد يطلق على الترقي، الثالثة السلب وهو عبارة عن فناء صفات الخلق
بظهور صفات الحق، الرابعة الاصطلام وهو فناء العبد عن ذاته بوجود ذات الحق، الخامسة الانعدام
وهو فناء العبد عن فنائه فلا يبقى عنده شعور بأنه فان، السادسة الحق وهو زوال الحس من نفس
العبد فتقبل الصفات الإلهية من غير تعمل كما تقبل صفات نفسه فهو أول مقامات التحقق بالله،
السابعة المحقق وهو زوال الحصر والخد من جسمانية العبد وروحانيته، الثامنة الطمس وهو ذهاب
أحكام البشرية من طبعه وعادته وظاهره وباطنه فلا يعتريه الجوع المفرط والسهر الدائم وغيرهما،
التاسعة المحو وهو كمال الزوال بسائر آثار الخليفة بظهور آثار الحقيقة، فالمراتب الخمس الأول
مخصوصة بأهل الفناء، والأخيرة بأهل البقاء والبقاء، صفة إلهية لا يتصف بها العبد بغير فنائه عن
نفسه، انتهى.
مات في السابع عشر من محرم سنة إحدى ومائة وألف بدهلي فدفن بها، كما في أنفاس العارفين.
السيد أبو سعيد البريلوي
السيد الشريف أبو سعيد بن محمد ضياء بن آية الله بن الشيخ الأجل علم الله النقشبندي البريلوي أحد
العلماء الربانيين.
ولد ونشأ ببلدة رائح بريلي وقرأ العلم على ملا عبد الله الأميتهوي ثم بايع عمه السيد محمد صابر
بن آية الله النقشبندي واشتغل بأذكار القوم وأشغالها مدة من الزمان، ثم رحل إلى دهلي ولازم الشيخ
ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي وأخذ عنه، لما توفى الشيخ ولي الله تحسس في نفس شيئاً فلازم
صاحبه الشيخ محمد عاشق بن عبيد الله البهلتي وأخذ عنه، وكتب له محمد عاشق المذكور الإجازة
قال فيها: إن السيد التقي النقي العارف بالله الولي الحميد المير أبو سعيد كان قد صحب شيخنا الأجل
ولي الله المحدث رضي الله عنه، وأخذ عنه بعض أشغال الطريقة ومارسها وداوم عليها حتى انفتح
عليه ببركة توجه الشيخ باب أسرار اللطائف اليقينية البارزة منها والكامنة فظهرت عليه أحوالها
وآثارها وحصل له الشهود الذي عند القوم أتم المقصود ثم لما انتقل الشيخ إلى دار الرضوان بدا له
أن يأخذ من الفقير ما بقي من أشغال الطريقة النقشبندية والقادرية والجشتية وغيرها من طرق
المشايخ الصوفية وأن يدخل في الطريقة بالطريق المتوارث بين الصوفية فلما رأيته مشغوفاً في ذلك
أسعفت له المرام خوفاً من حديث الإلجام فلقنته تلك الأشغال فلما شاهدت فيه آثارها وأنوارها ووجدته
متمكناً فيها أجزته بعد الاستخارة لإرشاد الطالبين وتسليك السالكين وأخذ البيعة في تلك الطرق جميعاً
وألبسته الخرقة الفقرية الفخرية إلباس إنابة وإجازة كما أجازني وألبسني شيخنا الأجل، وكما أجازني
وألبسني العارف بالله الشيخ عبيد الله بما وصل إليه من آبائه الكرام ومشايخه العظام، وأيضاً أجزته
لدرس التفسير والحديث والفقه والتصوف بعد المطالعة ومراجعة الشروح ودرس النحو والصرف،
وأيضاً أجزته لتصريف الآيات والأسماء وأعمال المشايخ في الحوائج المشروعة، وأجزته لجمع ما
في القول الجميل في بيان سواء السبيل ولجميع ما في الإنتباه في سلاسل أولياء الله من الأشغال
والأعمال، انتهى.
والسيد أبو سعيد كان شيخاً جليل الوقار عظيم الهيئة كريم النفس مسدي الإحسان مقري الضيفان،
سافر إلى الحجاز مع أصحابه ووصل إلى مكة المباركة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة سبع
وثمانين ومائة وألف فسعد بالحج وسافر إلى المدينة المنورة وأقام بها ستة أشهر وسمع المصابيح
على الشيخ أبي الحسن السندي الصغير وكان جالساً تجاه المرقد المنور للنبي