للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحوائج، ولم يزل أمره

مستقيماً إلى عشرين سنة.

ومن أخباره أنه كان يكتب القرآن الكريم نسختين منه كل سنة فيبيعهما ويقتات بثمنهما،

وأن زوجته سألته أن يعطيها جارية تكفي مؤنتها في طبخ الطعام وغيره من أمور البيت

فأبى.

ومن أخباره أنه كان ذات يوم يكتب القرآن جاءه أمير من الأمراء فدخل عليه في بعض

الألفاظ وقال: إنه سها في كتابته فلحق الناصر على ذلك اللفظ كدأب الكتاب، فلما ذهب

الأمير محا تلك الحلقة، فسأله بعض من حضر عن ذلك فقال: إنه كان صحيحاً ولكني

وددت أن لا أؤذيه برد قوله.

وكانت وفاته في سنة أربع وستين وستمائة، كما في تاريخ فرشته.

محمود بن أبي الخير البلخي

الشيخ الإمام العالم المحدث برهان الدين محمود بن أبي الخير أسعد البلخي المشهور بالذكاء

والفطنة لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والفقه والحديث، متوفراً على علوم الحكمة،

تفقه على الشيخ برهان الدين المرغيناني صاحب الهداية، وأخذ الحديث عن الشيخ حسن

بن محمد بن الحيدر الصغاني صاحب المشارق، وقدم الهند فاحتفى به الملوك والأمراء.

وكان السلطان غياث الدين بلبن يتردد إليه في كل أسبوع بعد صلاة الجمعة، ويحظى

بصحبته زماناً، وكان شاعراً مجيد الشعر، ويستمع الغناء ويقول: لا أسأل يوم القيامة عن

كبيرة إلا استماع الغناء بصنج، وكان يقول: إني سافرت مع أبي في صباي حين كنت ابن

سبع فوافيت موكب العلامة برهان الدين المرغيناني في أثناء الطريق، فنظر إلى العلامة وأنعم

في النظر وقال: سيكون لهذا الصبي شأن في العلم! فرافقته ثم قال: سيكون هذا الصبي

رجلاً شهماً يحضر لديه الملوك والأمراء، كما في فوائد الفؤاد.

مات في سنة سبع وثمانين وستمائة ودفن قريباً من الحوض الشمسي بدار الملك دهلي، كما

في خزينة الأصفياء.

الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني

الشيخ الكبير مسعود بن سليمان بن شعيب بن أحمد بن يوسف بن محمد ابن فرخ شاه

العمري الإمام فريد الدين الجشتي الأجودهني الولي المشهور، قدم جده شعيب إلى أرض

الهند في فتنة التتر، وولي القضاء بكهتوال من أعمال الملتان فتدير بها، وولد الشيخ فريد

الدين مسعود بها في سنة تسع وستين وخمسمائة وسافر إلى الملتان في صباه واشتغل بالعلم

على أساتذة عصره وقرأ النافع على مولانا منهاج الدين الترمذي، وأدرك بها الشيخ قطب

الدين بختيار الأوشي في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فجاء معه إلى دهلي ولازمه مدة وأخذ

عنه الطريقة.

وقيل إنه لما أدرك الشيخ المذكور وأراد أن يصاحبه في الظعن والإقامة منعه الشيخ وحثه

على تكميل العلوم، فرحل إلى قندهار ولبث فيها خمس سنوات وأخذ العلم، ثم سافر إلى

البلاد، وأدرك الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي والشيخ سيف الدين

الباخرزي، والشيخ سعد الدين الحموي، والشيخ بهاء الدين زكريا الملتاني وخلقاً آخرين من

المشايخ.

ثم جاء إلى دهلي وصحب الشيخ قطب الدين المذكور، ثم رحل إلى مدينة هانسي وأقام

بها انتي عشرة سنة واشتغل بالرياضة الشديدة والمجاهدة القوية فظهرت منه الخوارق

والكرامات والتصرفات العجيبة وتقاطر عليه الناس، فترك موضعه وذهب إلى كهتوال فلبث

بها زماناً، ثم لما ارتفع حاله وازدحم عليه الناس هاجر منها إلى أجودهن فتوطن بها يربي

المريدين ويرشد السالكين.

وكان من أكابر أولياء الله تعالى صاحب تصرفات عجيبة وجذب قوي، له في أحوال

الباطن شأن كبير بين المكاشفين مشهور في ظهور الآفاق ومذكور في بطون الأوراق، أخذ

عنه خلق كثير منهم الشيخ الإمام المجاهد نظام الدين محمد البدايوني والشيخ علاء الدين

علي الصابر الكليري والشيخ جمال الدين الخطيب الهانسوي والشيخ بدر الدين إسحاق

النهلوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>