للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن رجب - رحمه الله - يخالف إطلاق محمد بن يحي الذهلي - الذي حكاه عنه الخطيب في الكفاية - وتبعه عليه المتأخرون من أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه (١) ، وإن كان الخطيب - رحمه الله - قد صرح باعتبار شهرة الراوي بالطلب، وكذلك صرح بأن أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك (٢) .

ومع ذلك نجد أن كثيراً من المتأخرين لم يعتبروا الشهرة بالطلب في الراوي، لكي يرتفع عنه وصف الجهالة، وهذا النوع من الرواة الذين اشتهروا بطلب العلم وعرفوا به بين العلماء يزول عنهم وصف الجهالة ويثبت لهم بذلك وصف العدالة. وقد نبّه على هذا الحاكم النيسابوري فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر حيث قال:

" زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راوية مشهوراً وهذه الشهرة قدر زائد عن الشهرة التي تخرجه عن الجهالة. وقد استدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون " لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب " والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك، إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك " (٣) .

نفهم من كلام الحاكم - رحمه الله - أن هناك نوعين من الشهرة:

شهرة شخص الراوي وهذه تنفي عنه جهالة العين، وشهرته بالطلب وهذه تتنفي عنه جهالة الحال. وقد أشار الحاكم إلى أن راوي الصحيح لابد أن يكون معروفاً بطلب العلم وقد استظهر الحافظ ذلك من صنيع الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما. فكل رواة الصحيحين مشهورون بطلب العلم، وقد تداول أحاديثهم الحفاظ، وحيث يكون الراوي مقلاً ولم


(١) الكفاية ص١١١.
(٢) المصدر نفسه ص١١١.
(٣) النكت على كتاب ابن الصلاح ص٤١.

<<  <   >  >>