للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكم الطرق الأخرى من أنواع التحمل عند الإمام البخاري:

نلاحظ أن الإمام البخاري لم يذكر الأوجه الأخرى من أوجه التحمل، والظاهر أنه لا يرى صحة الأخذ بها فالأئمة المتقدمون لم يكونوا يرون لصحة التحمل إلا تلك الطرق كما مر ذلك في قول مالك بن أنس - رحمه الله - لكن عندما دونت الكتب وأمن جانب الرواية سوّغ العلماء في توسيع طرق التحمل تيسيراً على الناس وإبقاءً لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأئمة وكلما تأخرت الأعصار كثر التنويع والتوسيع والتساهل وإليك من أقوال العلماء ما يشهد على ما تقدم ذكره.

قال الحافظ - رحمه الله -: " لم يذكر المصنف (أي البخاري) من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة، ولا الوجادة، ولا الوصية، ولا الإعلام، المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى شيئاً منها " (١) .

وقد سبق إلى هذا الإمام الحافظ ابن رشيد السبتي (ت ٧٢١هـ) رحمه الله حيث قال: " وإنما اعتمد الناس منذ مدة متقدمة على الإجازة المطلقة والكتابة المطلقة توسعة لباب النقل وترحيباً لمجال الإسناد، لعزة وجود السماع على وجه في هذه الأعصار: بل قبلها بكثير، وتعذر الرحل في أكثر الأحوال، واعتماداً على أن الأحاديث لما صارت في دفاتر محصورة، وأمات مصنفات مشهورة، ومرويات الشيوخ في فهارس مفهرسة، قام ذلك عندهم مقام التعيين الذين كان من مضى من السلف يفعله، فاكتفى المجيزون بالإخبار الجملي، واعتمدوا في البحث عن التفصيل على المجاز إذا تأهل، فكانت رخصة أخذ بها جماهير أهل العلم إبقاء لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، ولله الحمد والمنة وإن كانت هذه ليست الإجازة المتعارفة عند التابعين وتابعيهم، كالحسن ابن أبي الحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر، وأبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، ومجاهد بن جبر، وعلقمة بن قيس، وأيوب السختياني، وشعبة بن الحجاج وغيره ممن


(١) فتح الباري: ج١ ص١٨٧.

<<  <   >  >>