للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثانية: ما استند إليه الذهبي لإثبات انحراف مسلم عن البخاري من كونه لم يرو له حديثاً، ولا سماه في صحيحه، أمر غريب جداً من مثل الحافظ الذهبي وهو من الحفاظ المتأخرين الذين يهتمون بالعلو ويعنون بذلك ولا سيما في كتب التراجم والسير والتاريخ.

فإذا كان المتأخرون عن عصر الرواية يطلبون العلو، ويفتخرون به في مصنفاتهم في التراجم والسير، أفلا يكون الأئمة الذين يصنفون في الحديث أولى وأحرى بذلك؟! ولذلك يتحملون الرواية عن الضعفاء من أجل العلو، وخاصة أن الإمام مسلماً قد شارك البخاري في أغلب شيوخه.

وهذا الإمام البخاري - رحمه الله - مع شدة حبه للإمام البخاري واعترافه بعلمه وفضله وتقدمه في هذا الشأن، والإكثار من سؤاله عن العلل والرجال في كتابيه " الجامع " و " العلل " مع ذلك لم يرو عنه في جامعه سوى حديثين، وروى مسلم حديثاً واحداً، فهل يقال إن الترمذي قد انحرف عن البخاري أيضاً لأنه لم يكثر عنه؟!

والشافعي من أجلّ شيوخ أحمد ومع ذلك لم يرو عنه في مسنده، طلباً للعلو، في أمثلة كثيرة.

وقول الذهبي: " ولا سماه في صحيحه " لا يفيد هذا أنه انحرف عنه، لأن الإمام مسلماً لم يسم في كتابه كل العلماء الذين أخذ عنهم، ولا صرح بذكر العلل كما فعل الترمذي، حتى ينقل عن شيخه إمام هذه الصنعة بلا منازع، ولا ذكر غير ذلك مما يتعلق بعلوم الرجال كالجرح والتعديل، والأسماء والكني، فلم يحتج إلى النقل عن البخاري ومن هنا لم يسمه.

الثالثة: إن الذي أوقع الذهبي في هذا هو اعتقاده أن المقصود بالرد والتوبيخ من قبل مسلم هو البخاري وشيخه ابن المديني، وهذا أمر لم تقم عليه أدلة قوية لا من جهة أن البخاري يتبنى هذا الرأي، ولا من جهة أن مسلماً يقصد بذلك البخاري وابن المديني بل هو مجرد ظن وتخمين. قال الأمير الصنعاني - رحمه الله -: " واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه،

<<  <   >  >>