للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر أصبح عسيراً في النصف الأول من القرن الثالث الهجري. فقد استطال السند، وكثر الرواة، وتشعبت الطرق، فأصبح من العسير جداً على غير الأئمة النقاد التمييز بين الصحيح من عشرات الأحاديث والطرق الضعيفة أو المعلولة للحديث الواحد. وأصبحت الحاجة ماسة جداً إلى وضع كتاب يضم الصحيح فقط ويتحاشى الضعيف والمعلول. وليس هذا فحسب، بل أن يكون مختصراً، إذ المؤلفات السابقة، كما مر في المباحث المتقدمة، كانت واسعة وكبيرة وخاصة الجوامع والمسانيد، وحتى لا يكون هذا لاختصار مخلاً فالإمام البخاري جعل كتابه شاملاً لأهم مقاصد تلك الكتب السابقة، ففيه ما يتعلق بالتوحيد، وفيه ما يتعلق بالفقه والأحكام، وفيه ما يتعلق بالتفسير، وما يتعلق بالسير والمغازي، والشمائل والمناقب، والطب والرؤيا، ومن ثمة كان حرياً أن يوصف بأحسن وخير كتب الإسلام كما وصفه بذلك الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (١) .

وقد أعلن هذه الحاجة المحدث الكبير شيخ الإمام البخاري. الإمام إسحاق بن راهوية في مجلس من مجالسه العلمية قال: " لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قال الإمام البخاري: " فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح " (٢) .

وقد ظهر لي غرض آخر دفع البخاري إلى تأليف جامعه وهو تلك


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - مكتبة المعارف - الرباط، المغرب، ج١٨ ص٧٣، ٧٤.
(٢) هدي الساري مقدمة فتح الباري ص٩.

<<  <   >  >>