للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المرزوقي ينهج نهجًا عكسيًا يختلف كثيرًا عما ألفناه لدى معظم الشراح ينتهج نهجًا تنازليًا، يبدأ من أعلى إلى أسفل، يبدأ بالكل ويتدرج إلى أن يصل إلى لجزء".

فلا شك أن هذه النظرة في منهج الرجل تحتاج إلى توجبه، ذلك- لأنه- كما رأينا في شرحه للحماسة- لم يكن ذا خطوة ثابتة في بدء عملية الشرح بل أن عمله في ذلك لم يكن مطرداً على هذا النحو الذي ذهب إليه الدكتور العمري، ويمكن أن نوضح ذلك في الآتي:

أولاً: أن شراح الحماسة جميعًا عدا أصحاب المنهج العلمي التخصصي، الذي سوف نوضحه فيما بعد- كان المعني همهم الأول والأخير، وليس المرزوقي وحده هو الموصوف بهذا، أما كيف يصلون إليه وبأيه طريق فتلك تتحكم فيها طبيعة الشارح ونفسيته واهتماماته، كما تتحكم فيها الغاية التعليمية التي يرمي إليها الشراح ويلجؤون- غالبًا- في تحقيقها إلى التدرج من الجزء إلى الكل أو من البسيط إلى المركب لأنهم رأوا أن هذه السبيل هي الأجدى والأنفع لطلاب المعرفة والتحصيل.

ثانيًا: اختلف المرزوقي عن معظم الشراح الذين وقفنا على شروحهم في الحماسة لا لأنه كان يبدأ من الكل إلى الجزء، كما ذهب الدكتور العمري، ولكنه كان أدبيًا ذواقًا للفن الشعري، وهو مع كونه موصوفًا بهذه الصفة التي غلبت عليه في شرحه كان أيضًا عالمًا ملمًا بشتى العلوم التي تتصل بشرح الشعر والتي تثير عقله ووجدانه وتلعب دورًا رئيسيًا في شرحه.

وفي إدراكنا أن المرزوقي وهو الأديب الذواقة العالم المتجر في علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد كان عند تعامله مع النص الشعري رهين إحساسه الذاتي، تثيره- وهو يشرح- الخطرة الأولى التي تشع في عقله ووجدانه، حال قراءته للنص، قد تتمثل هذه الخطرة في المعني فيعرضه أولاً، وقد تتمثل في لفظه فيسبق إليها بالشرح والإيضاح وقد تكون هذه الخطرة صورة بلاغية فيسجلها قبل المضي في الشرح، وقد تكون رواية فيبدأ بعرضها ومناقشتها، بل ربما تتمثل الخطرة في غرض الشاعر

<<  <   >  >>