للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذه الشروح المتخمة بالمعارف والعلوم، تريد أن تلم بها ولكن بوسيلة تنهض لها قواها الذهنية وقدراتها الاستيعابية وأذواقها الفطرية وغير الفطرية، ومنها فئة أخرى يهمها من الشعر أن تفهمه، أن تتذوقه، أن تصل إلى مواطن الجمال فيه لا تريد أن تشغل بالنحو وما فيه من خلافات، ولا باللغة وما فيها من اشتقاقات وتصاريف وأوزان، ولا بأحداث الشعر وأخبار الشعراء وما يتبع ذلك من أنساب وأشعار وأمثال، حسبها من النحو الشيء اليسير الذي يعين على فهم النص، ومن اللغة ما يعين على فهم ألفاظ الشاعر وصولًا إلى معانية ومراميه، ومن المناسبات ما يحقق فهم الغرض ودواعي القول فيه والجو النفسي والاجتماعي الذي صدر فيه الشعر.

ورابعها: إدراك هذه الفئة بسنن التطور في الحياة وما يتعري الأجيال من علو أو انحدار في المعرفة والتحصيل، وإدراكه أيضًا بأنه إذا كانت الشروح ذات التوسع في العناصر الممتلئة بالاستطرادات العلمية قد استطاعت أن تحوز إعجاب العلماء ذوى التخصصات العلمية، والطبقة العليا من المتعلمين التي تتطلع إلى مرتبه أصحاب التخصصات فإنها بلا شك لن تستطيع أن تحقق ذلك حيال المتعلمين المتوسطي الفهم والاستيعاب أو طالبي الأدب البحت، وبخاصة حين النظر إلى الأجيال وتعددها والقرون وتلاحقها وتغير الحياة العلمية مداً وجزراً عبر هذه الأجيال والقرون.

لهذه العوامل مجتمعة قام هذا المنهج الذي اعتمد اختصار المعلومات في الشرح مسلكاً، والتسهيل في عرضها سبيلاً، ومن أجل هذا أطلقنا عليه هذا المصطلح وهو بحسب ما أوضحنا من عوامل منهج يقوم على مقومات وصفات تختلف من حيث المادة والعرض عن سائر المناهج الأخرى، إنه بإيجاز منهج يقوم على مراعاة المتلقين وقدراتهم واختلاف مشاربهم وأهوائهم، يقدم لهم عناصر الشرح سهلة ميسرة خالية من الاستطراد، بعيدة عن التشعيب والأغراب، منهج تجد فيه اللغة ولكن بقدر محدود، والنحو ولكن بصورة تحقق إدراك المعني فحسب، وتجد فيه الرواية ولكن في لمحات تفي بالغرض وتعين على نيل المطلوب، والأخبار والمناسبات ولكن في اختصار لأسانيد وإسقاط لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى التطويل، ونجد فيه البلاغة

<<  <   >  >>