للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وربما قصد بالفصاحة هنا ان الشاعر قال: "ولا يرعون"، فالرعي يتسق في الحقيقة مع الروض، ولايتسق الرعي مع الأرض إِلاَّ على سبيل المجاز، والبيت كله تصوير بالكناية، فأكناف الهويني وروض الهدون كناية عن ان هؤلاء القوم لا يرعون جوانب الخصال السهلة والأمور الهينة، ولا ينزلون منازل الأمن والراحة. وإذا كان البيت مبينًا على التصوير بالكناية لزم أن تكون جملة من حيث الفصاحة مبنية على التعبير بالحقيقة لا المجاز حتى لا تتداخل الصور وتتراكب.

على أن المرزوقي في مواضع أخرى كان يعلل وجه تفضيله للراوية وفق المعيار الذي يراه. ومن أمثله ذلك ما أورده في بيت الربيع بن زياد، وقد رواه على النحو التالي:

مَنْ مِثْلِهِ تُمْسِي النَّساءُ حَوَاسرًا وَتَقُومُ مُعْوِلَةَّ مَعَ الأَسْحَارِ

ثم أشار إلى رواية أخرى فقال: " وروي بعضهم" تمشي النساء" أي يمشين متبرزات لا يدفعن عن ذلك حشمة ولا يحجزهن رقبة، والأول أجود حتى يكون المساء في مقابلة الصباح، ويكون الشاعر قد ذكر طرفي النهار من أوقاتهن" وهو بهذا يرى أن عامل الجودة في رواية" تمسي" يرجع إلى مقابلة الشطرتين في المعني، مع ان رواية"تمشي" مع الواقع الذي تعيشه النساء في مأتم الرجل العزيز، فهن يمشين في الحي حارسات يذهلهن الفقد عن الاحتشام وتغطية رؤوسهن، وهو أمر مألوف مشاهد، نراه في زمننا هذا، وفي أقطار مختلفة من عالمنا العربي.

وقد يرجع المرزوقي عامل الجودة إلى سلامة اللغة في التعبير وفق الضوابط المعمول بها عند علماء اللغة، فبيت الصمة بن عبد الله القشيري أثبت روايته على النحو التالي:

أقول لِصَاحِبي والعِيسُ تَهْوي بِنَا بَيْنَ الُمنِيفَةِ فالضَّمارِ

ثم قال: "وقوله" ين المنيفة فالضمار" أجود الروايتين: "بين المنيفة والضمار" ثم

<<  <   >  >>