للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بنا" ثم رجع إلى الرواية التي أشار إليها فشرحها بقوله: "ومن روي: واكتفينا، كان المعني: اكتفينا في البعد عنكم فلم نحتج إليكم" ثم بين قصد الشاعر في الروايتين معًا فقال: " والقصد في الروايتين أنه لم يكن بإحدى الجنبتين افتقار إلى الأخرى، فصار ذلك سببًا في التنائي، وعذراً بينًا في التأخر عن المعاونة والمكانفة".

إن عمل المرزوقي حين تتساوى الروايات لديه يعد عملاً طيباً تهظر فيه شخصيته بوضوح، ويدل على دقة وفهم تام لمعاني الشعر، ومعرفة واسعة باللغة وأسرارها، فبيت سعد بن ناشب في الحماسية العاشرة رواه هكذا:

أَخِي عَزَمَاتٍ لا َيُريدُ عَلي الذي يَهُمَّ به مِنْ مَقْطَعِ الأَمْرِ صَاحِبَا

ثم قال: "ويروي أخي غمرات" وفسرها بالشدائد، ثم مضي قائلا: "ويروى من مفظع الأمر" وهو من فظع الأمر وأفظع فظاعة وهو فظيع ومفظع، أو من أفظعني الأمر ففظعت به أي أعياني فضقت به ذرعًا".

وفي إدراكنا أن ظهور شخصية المرزوقي في شرح الروايات المتساوية لديه يصبح أكثر اطراداً وبروزًا في الجانب الثاني من عمله في الرواية، ونعني به جانب نقد الرواية وردها، ففي هذا الجانب تتجلى لدينا أمور عدة، منها حسه اللغوي ومعرفته بأساليب العرب وتثبته وتمحيصه ونظرته العقلية المنطقية، إلى غير ذلك من اللمحات التي أحسنا بها ونحن ندرس عمله في نقد الروايات وردها، وهو في هذا النقد يعتمد على جملة من المقومات. منها النظر إلى لفظ الرواية ومدى مطابقته للاستعمال الفصيح، ومنها صلة الرواية بالمعني الذي يقرره، والذي يتضح به مقصد الشاعر ومرماه، ومنها توافق الرواية مع روايات آخرين كان يجدها في نسخ مختلفات للحماسة، ومنها توافق الرواية مع المألوف من كلام العرب وما درج عليه الشعراء في نظمهم. ولقد رأيناه وهو يعتمد على هذه المقومات في نقد الرواية لا يكتفي بها فحسب بل يحاول دعمها بالتحليل وبالشواهد التي يأخذها من القرآن الكريم أو أشعار العرب الفصحاء.

<<  <   >  >>