هكذا أثبته في متنه بالإقواء- إذ أن حرف الروي مكسور في سائر أبيات القصيدة ومطلعها"أرث جديد الحبل من أم معبد" غير أننا نراه يقف عند الرواية التي أثبتها فيقول: وقوله حتى علان حالك اللون أسود فيه أقواء، وكثير من العلماء يهونون الأمر في الأقواء، ولا يعدونه عيبًا قبيحًا. وحكي عن الأخفش انه قال: ما أنشدني العرب قصيدة سلمت من الأقواء طالت أو قصرت، ثم انتقل مشيراً إلى رواية أخرى هي" وحتى علاني حالك لون أسود" فقال راداً هذه الرواية: "والضعف فيه ظاهر، ألا ترى أنه قال: حالك وهو الشديد السواد ثم قال: لون أسود، وفي إضافة لون إلى أسود ما لا يرتضي" فكأنه بذلك يقرر أنه ليس من المألوف في كلام العرب إضافة اللون إلى صنفه، فلا يقال لو أبيض ولا لون أصفر، وينتقل المرزوقي إلى رواية ثالثة يراها أجود من هذه التي اعترض عليها قال:"وأجود من هذا أن يروى: حالك اللون أسودي، وهو يريد أسودي، كما قيل في الأحمر أحمري، وفي الدوار دواري ثم خففت ياء النسبة بحذف أحدهما وهو الأول وجعل الثاني صلة". وهو أن كان قد استجاد هذه الرواية فإنما استجادته قائمة على المفاضلة بينها وبين الرواية الثانية التي اعترض عليها وأبطلها بما درج عليه العرب في كلامهم. أما الرواية التي أثبتها فهي عنده هي التي صدرت عن الشاعر لشيوع الأقواء بين الشعراء وفقًا لما قاله الأخفش.
وهكذا نخلص من خلال ما عرضناه، إلى أن عمل المرزوقي في الروايات سواء في جانب المفاضلة بينها أو جانب نقدها وردها قد دل على ذاتيته من جهة، وعلى إبداعه وفنيته من جهة أخرى، وعلى استيعاب اللغة وفهمها وإدراكه كلام العرب وأساليب الشعراء من جهة ثالثة، غير أن هذا لا يمنع من القول بأننا قد لاحظنا في رده الروايات التي اعتمدها ابن جني بعض التحامل، وهذا يرجعنا إلى ما قررناه سابقًا من اتصافه بصفتي الاعتداد والتعالي اللتين جعلتاه يتسهين بمعاصريه