ولا يعبأ بآرائهم في المجال الذي يدور فيه عمله، فابن جني- مثلاً- قال في رواية "أوجيته" السالفة الذكر: "كذلك رويناه وكذلك وجدته في شعر القبيلة". فقوله "كذلك رويناه" يعني نفسه وشيوخه الذين اخذ عنهم العلم، وقوله:" وكذلك وجدته في شعر القبيلة" يدل على رجوعه إلى الأصول التي بني عليها أبو تمام اختياره في الحماسة وكلا الأمرين يوجب النظر والاعتبار، فكان حق المرزوقي ان ينظر إلى هذا، لا أن تشتط به نوازع النفس في الاستهانة بغيره فيصرف النظر عما قرره أبو الفتح إلى التعقيب بقوله" ولقد قضيت العجب من هذا المستدرك ومن ضلاله عن طريق الرشاد فيما قصده من معني".
ولقد رأينا منه مثل هذا في معالجته لرواية بيت تأبط شرا وهو:
فقد قال ابن جني فيه:" هكذا يرويه أكثر من ترى"ولم أك" ومنهم من يقول: " وما كنت آيبًا" وصواب الرواية فيه " وما كدت آيبًا" أي وما كدت أؤوب، فاستعمل الاسم الذي هو الأصل المرفوض الاستعمال موضع الفعل الذي هو فرع، وذلك أن قولك كدت أقول أصله كدت قائمًا، ولذلك ارتفع المضارع لوقوعه موقع الاسم فأخرجه تأبط شرًا على أصله المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع نحو صرف ما لا ينصرف وإظهار التضعيف وتصحيح المعتل وما جرى مجرى ذلك، ونحو ذلك ما جاء عنهم من استعمال مفعول عسى على أصله، وذلك ما أنشدناه من قول الراجز:
أَكْثَرْتَ في ِ العَدْلِ مٌلِحّاً دائما لاَ تُكْثِرنْ إنَّي عَسِيتُ صَائِما
فهذه هي الرواية الصحيحة في هذا البيت- أعني قوله: "وما كدت آبيا" - وكذلك وجدتها في شعر هذا الرجل بالخط القديم وهو عندي عتيد إلى الآن، وبعد فالمعني عليه البتة لا منصرف به عنه، ألا ترى أن معناه" وأبت وما كدت أؤوب" كقوله: " سلمت وما كدت أسلم" وكذلك كل ما يلي هذا الحرف، من قبله ومن