وسيبويه والأصمعي وغيرهم من علماء المذهب البصري, ولقد قرأنا عمل المرزوقي في الحماسة وقرأنا عمل ابن جني فيها فوجدنا ابن جني في عمله أكثر التحامًا بأبي علي الفارسي, وأوضح اقتداء من المرزوقي في عمله.
إن ما نريد قوله في هذا المقام هو أن المرزوقي من خلال شرحه للحماسة لا يبدو بصريًا مطلقًا كما لا يبدو قياسيًا أو بغداديًا مطلقًا, لا يبدو بصريًا مطلقًا لأنه كان إذا تكلم عن أهل البصرة ذكرهم كما يذكرهم أصحاب مدرسة القياس أبو علي وابن جني ومن تبعهما, ولا يبدو بغداديًا مطلقًا لأن المذهب البغدادي يقوم على خصائص معينة تتمثل في الاستقلال الفكري, والاتساع في القياس, والاستعانة بالمنطق, وهي أمور لا نستطيع إثباتها من خلال عمل المرزوقي النحوي في الحماسة, قد يكون ذلك ممكنًا عن طريق دراسة كتبه الأخرى وبخاصة كتبه في النحو, أما في الحماسة فإنه غير واضح المسلك, فهو في غلبة شرحه يبدو واضح التأثر بالمدرسة البصرية ولكنه بالمقابل يستخدم عبارات أصحاب مدرسة القياس أو المدرسة البغدادية الجديدة, ربما كان هذا بتأثير من شيخه أبي علي الفارسي, ولكننا رايناه في موضع من شرحه يختار رأيًا كوفيًا ضعيفًا ليرد به على ابن جني صنوه في التلمذة لأبي علي وأحد دعائم مدرسة القياس وذلك في بيت غلاق بن مروان الذي يقول فيه:
فأضحت زهير في السنين التي مضت وما بعد لا يدعون إلا الأشائما
فقد قال ابن جني في التنبيه:((ينبغي أن تكون ما من قوله ((وما بعد)) زائدة وتقديره: وبعد, ولا يحسن أن تجعل ما بمنزله الذي أي الزمان الذي بعده وذلك أن قبل وبعد إذا حذف منهما ما أضيفا إليه لم يبنيا على شيء لنقصانهما ولحاقهما بالحرف لأجل الحذف, فإذا كانا لا يبنيان على شيء كان الامتناع من الوصل بهما أوجب, وذلك أن الصلة إلى الإيضاح والتمام أحوج من الخبر, ألا ترى إلى استمرار حذف الخبر وعرة حذف الصلة, فإذا امتنع الأخبار بهما كان الوصل بهما أعر وأقبح)).