عن موازنتهم وأتوقف عن ملاحاتهم طلبًا لمجازاتهم, والتقدير لا أقاذعها لكي أجازيها)) ثم قال في الوجه الثاني: ويجوز أن يكون المعنى: لا أقاذعها إلى أن أجازيها, أي أولًا أجازيها فعلًا لأرى القدرة عليها ثم حينئذ أجازيها بالكلام)) ثم فضل فقال:((والأول أحسن)).
على أننا رأيناه في هذا الجانب يذهب إلى ابعد من ذلك حيث كان يشرح المعاني من حيث الغرض فيصور المعنى في غرض مرة, وفي غرض آخر مرة أخرى, وذلك في مثل قوله في بيت الحماسة:
إني رأيتك تقضي الدين طالبه وقطرة الدم مكروه تقاضيها
قال:((هذا البيت يصلح أن يكون مدحًا فيكون المعنى: إني رايتك تخرج إلى المدينين سريعًا من دينهم عليك غير مدافع بما في ذمتك لهم ولا مماطل, فإذا طولبت بدم أو نوزعت في ذحل شق تقاضيك به, وتصعب نيله من جهتك وتعذر. وبصلح أن يكون ذمًا فيكون المعنى: إني رأيتك بأهون سعي واقرب طلب تخرج من الأوتار والدماء إلى طلابها فلا كلفة في نيلها وإدراكها من جهتك, والتقاضي بالدم عسر صعب إلا إذا كان عندك وقبلك, فما ذلك إلا لضعف كيدك ومهانة نفسك, وقصور آبائك, والدين في هذا الوجه يراد به الوتر والدم)).
ومن البديهي أن يعد مثل هذا العمل مبالغة في التأويل لأن الشاعر عادة يكون ذا مقصد واحد في كلامه, فهو إما يهجو أو يمدح, غير أن النص إذا لم يكن فيه ما يدل على المقصد فإن ذلك يؤدي إلى أن يتجه الشراح في تفسيره كيفما اتفق لديهم من استنطاق للألفاظ والتعابير التي يقوم بها البيت, وربما كان إسقاط أبي تمام لبعض البيات من النص الذي يختاره سببًا في أن يتجه الشراح هذه الوجهة غير المنطقية في الشرح والتأويل.
إن المرزوقي بجانب هذا كان يستقصي المعنى ويورد له الشواهد من كل وجه