ولعل أول ما يلاحظه القارئ في أسلوب المرزوقي وهو يعرض المعاني أنه يتخير ألفاظه, وهي ألفاظ عذبه سلسة ينأى بها عن الوحشية ويحوطها عن المترذل, ثم هو بعد ذلك يحكم الجمل طولًا وقصرًا في تنسيق بديع وأحكام قويم, يميل فيه إلى الأطناب القائم على الترادف وتتابع الجمل المؤكدة ذات المعنى الواحد. قد تلحظ بين ثنايا هذا التنسيق وهذا الإحكام السجع ولكنه سجع لا تحس فيه بقلق أو تكلف, وقد تلمس فيه شيئًا من إعمال الفكر ولكنه إعمال مطبوع لا متصنع, والأمثلة على ذلك كثيرة تسود صفحات شرحه ولكن يمكن أن نعرض نماذج لنبين في أسلوبه ما ذكرناه من صفات, ففي بيت أوس بن حبناء يقول فيه:
يرى أن بعد العسر يسرًا ولا يرى إذا كان يسر أنه الدهر لازب
نراه يعرض معناه فيقول: ((يقول يعلم أن أسباب الدنيا وتصاريفها مبنية على التغير والتبدل, فالعسر واليسر يتعاقبان ولا يلزمان, فمتى استغنى كرم ولم يبطر, علمًا بأنه فلا يبقى, وإذا افتقر عف ولم ييأس, ثقة بأنه يزول ولا يدوم)).
فانظر إلى ألفاظ ((التغير والتبدل)) , ((يتعاقبان ولا يلزمان)) ((يفنى فلا يبقى)) ((يزول ولا يدوم)) لتدرك كيف أن المرزوقي كان يوفر الأطناب لأسلوبه ليحقق التنسيق بين جمله.
ومثل هذا الأطناب القائم على الترادف وتعاقب الجمل ذات المعنى الواحد يمكن أن تلحظه كثيرًا في أسلوبه, وغايته من ذلك أن يكشف لك المعنى ويوضحه في جلاء, وتستطيع أن تلمس ذلك في عروضه لمعنى قبيصة بن جابر السدي الذي يقول فيه:
وعاجمت الأمور وعاجمتني كأني كنت في الأمم الخوالي
فقد كان يمكن عرض معناه على نحو مثل هذا ((يقول: إنه جرب الأمور وجربته, كأنه بتجاربه عاش منذ عصور سبقت عصره)) غير أن المرزوقي لم يسلك هذه السبيل التي نجدها عند أصحاب المنهج الاختصاري التسهيلي الذين يركنون