إلى الإيجاز في عرض المعنى تصويره بأقل جمل, أنه يعرض معناه في ملاحقة واستقصاء فيكشفه ويوضحه يقول: ((إني مجرب مدرب, زاولت النوائب, وعاركت الأهوال والعجائب, فلومتها ولزمتني, وأزمت بي, وصرت لطول تجاربي وامتداد أيام محاكتي نقابًا محدثًا, أبلغ بطني ما يبلغ غيري بمشاهدته, على قرب ميلادي وحداثة سني, حتى كأني كنت في الأمم الماضين, وأحد الرجال المعمرين, فأدرك الشيء قبل حصوله, وأتصوره ولم يجئ بصورة ما فرغ منه وقضي, فظني عيان ويومي دهر)).
فلا شك أنك حين تقرأ هذا العرض تحس بأن المرزوقي لم يهدف إلى الإفهام فحسب بل هدف إلى الإفهام والإمتاع معًا, ومن ثم جاءت عباراته وجمله متتابعة في أحكام متوالية في تنسيق لتنتهي بما هدف إليه.
غير أننا أحيانًا نلمس في أسلوب المرزوقي وهو يعرض المعاني جنوحًا نحو أسلوب المعلمين, وهنا يختفي الإمتاع ويبقى الوضوح وحده, وذلك في مثل بيت عبد القيس بن خفاف الذي يقول فيه:
صحوت وزايلني باطلي لعمر أبيك زيالًا طويلا
فقد عرض معناه بقوله: ((يقول: وبقاء أبيك لقد أفقت من سكر البطالة وفارقني ما كنت أتعاطاه من الصبا والجهالة فراقًا ممتدًا, لا ينقطع بمعاودة تعرض دونه أو بمواصلة تبطله وتزيله)) , وهذا بلا شك أسلوب أدبي, ولكنه شفعه بأسلوب المعلمين فقال: ((فإن قيل كيف وصف الزيال بالطول؟ قلت: الطول في الحقيقة لوقت الزيال لا له لكنه وصفه به على طريق التوسع)).
هذا الجنوح محو أسلوب المعلمين ذي المنحى العلمي عند المرزوقي هو نتيجة لتأثير شخصية المعلم فيه, وهي شخصية قد تطغى على نوازعه الأدبية فيكون لها هذا الأثر في الأسلوب, غير أن هذا وإن كان يقع منه أحيانًا, فإن أسلوبه في عرض