من جهة اللفظ ومن جهة المعنى, بل إننا لاحظنا أن جملة من هذه المحسنات عبرت بين شرحه دون أن يقف عندها, وبخاصة فيما يتصل بالمطابقة. ولعله ترك الكلام فيها لوضوحها, أو لعله تركها للقارئ ليقف عليها دون دلالة منه عليه. ومهما كان المر فإن تلك الإشارات التي صدرت عنه في تحسين الكلام لفظيًا ومعنويًا تجعلنا ندرك بأن المرزوقي كان مدركًا لقيمة علم البديع في فن الشعر, وإذا قل عمله فيه أثناء عملية الشرح فإن ذلك راجع إلى أن كثيرًا من ألوان البديع التي حددها البلاغيون لم تبرز إلا عند شعراء الصنعة الفنية أمثال أبي تمام صاحب الاختيار, ومن قبله بشار ومسلم بن الوليد أو شعراء التصنع الذين ظهروا في العصور التي تلت العصر العباسي الأول, وهؤلاء لم يكن لهم في اختيار الحماسة نصيب, ونحن إذا أردنا أن نعرف قيمة عمل المرزوقي في علم البديع لا نطلب ذلك في شرحه للحماسة وإنما نطلبه في أعماله الأخرى التي قامت في أشعار المحدثين مثل عمله المسمى بشرح المشكل من شعر أبي تمام.
على أن هذا لا يمنع من أن ننظر فيما تناوله من ألوان البديع في شرحه حتى نقف على عمله فيه, الذي قلنا إنه يتمثل في بعض الإشارات الخاصة بالمحسنات المعنوية واللفظية, ومن ذلك نظرة إلى المطابقة في بيت بشامة النهشلي القائل:
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا ولو نسام بها في الأمن أغلينا
فقد قال:((وفي البيت طباق بذكر الارخاص والاغلاء والروع والأمن في موضعين وهو حسن جيد)).
ونظرة أيضًا في بيت أنيف بن حكيم النبهاني الذي يقول فيه:
إذا نحن سرنا بين شرٍق ومغرٍب تحرك يقظان التراب ونائمة
فقد حلل الاستعارة في قوله ((يقظان التراب ونائمه)) ثم قال: ((وقد أحسن