وقف ابن جني في لفظة ((مراغم)) التي جاءت قافية فقال: ((قوافي هذه القطعة كلها مجردة غير مؤسسة إلا ((مراغم)) هذه فقد ساند إذن. وقد استقصيت هذا في كتاب المعرب في تفسير قوافي أبي الحسن)).
وفي بيت عبد الله بن ثعلبة الحنفي القائل:
وما إن يزال رسم داٍر قد أخلقت وعهد حبيٍب بالفناء جديد
نظر ابن جني فوجد الشاعر قد خفف الهمزة في ((أخلقت)) فأوحى له ذلك بإثارة قضية تتصل بالخليل وأبي الحسن الأخفش قال: ((في قوله قد اختلقت مخفف الهمزة دليل على قول أبي الحسن وعلوه على قول الخليل في امتناع الخليل من الجمع بين يسؤ ويسيء قافيتين. وذلك لأنه فيما زعم يخلف إذا خفف همزة حرف رويه ألا تراه يصير يسو ويسى، فيختلف الرويان، فاحتج عليه أبو الحسن أنه إذا بني الشاعر القصيدة على تحقيق الهمزة البتة أمن هذا الخلاف الذي أشفق منه الخليل، وشاهد هذا القول هذا البيت الذي نحن بصدده. ألا ترى أن الشاعر بناه على تخفيف همزة أخلقت البتة وإلا كسر الوزن، وإذا جاز أن يبني الشعر على التخفيف لا غير، وهو فرع كما علمت، جاز أيضًا أن لا يبني الشعر على التخفيف لا غير وهو أصل كما علمت)).
فانظر كيف كان ابن جني يجادل في هذا العلم، وهو علم مبني على استقراء ما قالت العرب من شعر، على أن مثل هذا العمل منه يدل على حضوره الذهني