للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقتضي الإعراب ذلك، كما أنه في عمله اللغوي كان ينظر للألفاظ نظرة جريئة من حيث هي لفظة مفردة يقف عليها، يعالج تصريفها أو اشتقاقها مستعرضاً ما تثيره من قضية تتصل بالقياس أو الاشتقاق، وهذا بطبيعة الحال يدفعه إلي أن يغض النظر في أحيان كثيرة عن وضع اللفظة في النص وإيراد معانيها المحتملة وفقاً للمعني الكلي للنص، وهو بجانب هذه النظرة كان كثيراً ما يخضع تفسيره للألفاظ والتراكيب إلي جدل منطقي. ومن أمثلة ذلك وقفته في بيت موسي بن جابر الحنفي الذي يقول فيه:

ومن الرجال أسنة مذروبة ومزندون شهودهم كالغائب

وقف في تركيب "شهودهم كالغائب" ولم ينظر إلي سواء قال: "إن كان شهود هنا جمع شاهد فالغائب هنا جمع وجنس أي شهودهم كالغياب، وأن كان شهودهم هنا مصدر شهد كالحضور من حضر فالغائب هنا علي ضربتين: أحدهما أن يكون جنسياً كالأول فيكون المضاف إذن محذوفاً، أي شهودهم كغيبة الغائب، والأخر أن يكون الغائب مصدراً كالباطل والفالج والباغر- أي المجنون- والعائر- الرمد- أي شهودهم كالغيبة، ثم عمد إلي طريقة أهل الجدل المنطقي فقال: "فأن قيل: فمن أين لك الغائب مصدراً كالباطل في غير هذا فتحمل عليه هذا؟ قيل: قد ثبت أن المصدر قد يأتي علي فاعل بما رأيناه وها هنا، وأن لم يكن معك فيه ما تقطع به فليس معك أيضاً ما يمنع منه، والقسمة حملاً علي النظير محتمله، وما كانت هذه سبيله فالقسمة قابلة له وغير ممتنعة منه فأعرف ذلك أصلاً من أصول فقه العربية"

وفي بيت دريد بن الصمة القائل:

كميش الإزار خارج نصف ساقه بعيد عن الأفسات طلاع أنجد

نراه يقف من البيت كله عند لفظة "أنجد" فيقول: هكذا تكسير القلة والمراد به معني الكثرة، ألا تري أنه لا يريد أن يطلع أنجداً من الثلاثة إلي العشرة، وإنما

<<  <   >  >>