يريد أن من عادته اطلاع النجاد فهو يؤذن بالكثرة" ثم مضي مستقصياً الحديث عن جموع القلة والكثرة موضحاً ما أثبته من أن العرب قد تطلق جمع القلة وتريد به الكثرة. قال: "وليس قوله "أنجد" وهو يريد الكثرة كقولهم أرسان، وأقوام، وأقلام، وأرجل، وهو يريدون من كل واحد منها الكثرة، والفرق بينهما أن "نجدا" قد تكسره علي مثال الكثرة وهي النجاد، وكل واحد من أرسان وأقوام وأرجل لم يكسر إلا تكسيراً لقلة البتة، فكان مجيء كل واحد منها مراد به الكثرة أسهل من مجيء مثال القلة ملفوظاً معه، ومنه بمثال الكثرة مراداً بها الكثرة فقد كثر عندهم مجيء لفظ جمع القلة والمعني به معي الكثرة إلا تري إلي قول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دماً
ودفعه أيراد هذا البيت إلي أن يذكر رأياً لشيخه أبي علي الفارسي في القصة المرورية عن اعتراض النابغة لحسان في تقليل أجفانه وانسياقه، وفي قوله: يلمعن ويقطرن بدل يبرقن ويجرين، قال ابن جني:"وكان أبو علي يطعن في الحكاية هنا منسوبة إلي النابغة" لقد قللت جفانك وأسيافك" قال: ألا تري إلي قول الله سبحانه: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}، وغرف الجنة أكثر مما يظن، وقال تعالي:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}، ورتب الناس في علم الله أكثر من العشر لا محالة".