على أن ابن جني في عمله اللغوي كان كثيراً ما يهتم بالاشتقاق مع ملاحظته الدائمة للمقياس، نلمس ذلك منه في مواضع مختلفة من التنبيه، قال في لفظة زرافات الواردة في أبيات القطعة الأولي من باب الحماسة وهو:
قوم إذا الشر أبدي ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
الزرافة الجماعة سميت بذلك للزيادة التي هي في الاجتماع والتضام، ومنه التزييف للزيادة في الحديث يقال: زرف في كلامه أي زاد فيه، ومنه سميت الزرافة لطول عنقها وزيادته علي المعتاد المألوف فيما قده قدها" وكان حقه أن يكتفي بهذا في تحليل اشتقاق اللفظة ولكنه مضي إلي طريقته الجدلية وملاحظته للقياس فقال: "فان قلت: أن كثيراً من الإبل طول عنقه طول عنق الزرافة فهلا سميت زرافات، ففي ذلك جوابان أحدهما: أن الاشتقاق لا يركب فيه القياس، لما بيناه في كتابنا في شعر هذيل وهو الموسوم بكتاب التمام وغيره من كتبنا، والأخر أن الجمل علي علو جسمه وفخامة منظره لا ينكر أن يكون أن يكون عنقه طويلة ولكن الزرافة علي اجتماع جسمها إلي جسم البعير يستنكر ويستكثر لها طول عنقها وهذا واضح".
وهو في الاشتقاق ينظر إلي ما في اللغة ثم يحكم بأصل اللفظة، قال في بيت قسامة بن رواحه السنبسي:
دعا الطير حتى أقبلت من ضربة ... دواعي دم مراقة غير بارح
"ينبغي أن يكون لام "ضربة" واواً، وذلك أن معنا في اللغة تركيب (ض ر و) وليس معنا تركيب (ض ر ي) من الضرو، والضرورة، والضراوة، فعلي ما معنا ينبغي أن يكون العمل والاشتقاق"