للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهمْ بهنّ فلول من قراع الكتائب

قال: هذا استثناء، قيس يقولون غير أن هذا أشرف من هذا وهو أفضل من هذا يكون مدحًا بعد مدح، وأنشد فيه أيضًا:

فتيًّ كان فيه ما يسرّ صديقه على أن فيه ما يسوء الأعاديا

فتيً كملت أخلاقه غير أنّه كريم فلا يبقى من المال باقيًا

ثم عالج الأمر من جهة نحوية فقال: (وهذا الاستثناء على إعرابه جاز بالاستثناء المعهود ألا ترى أنّه إذا قال: (فتى كان فيه ما يسر صديقه) جاز أن يظن أنه مقصور على هذا وحده فإذا قال: (على أن فيه ما يسوء الأعاديا) أزال هذا من النفس وصار معناه أن فيه مسرة لأوليائه ومساءة لأعدائه. وليس مقصورًا على أحد الأمرين فهو إخراج شيء من شيء لخلاف الثاني الأول وكذلك قوله:

فتيً كملت أخلاقه غير أنّه كريم فلا يبقى من المال باقيًا

كان إتلافه للمال عيبًا عند كثير من النّاس استثنى هذه الحال فأخرجها في جملة خلال المديح لمخالفتها إياها عندهم وعلى مذهبهم، وليس شيء يعقد عقد على أصله فيخرج عقد شيء منه في الظاهر إلا وهو عائد إليه وداخل فيه الباطن).

وهذه العبارة الأخيرة أشبه بكلام المتكلمين، وتبعد كثيرًا عن كلام البلاغيين في مثل هذا الشعر، فالبلاغيون وضعوا لهذا المحسن المعنوي في باب البديع اسمًا هو تأكيد المدح بما يشبه الذم، وعده ابن المعتز من محاسن الكلام، وهو عندهم ضربان أحدهما جاء في بيت النابغة الذيباني المتقدم ذكره وهو أن يأتي بصفة ذم منفيه ثم يستثني منها صفة مدح، والآخر جاء في بيت النابغة الجدي والبيتين الآخرين،

<<  <   >  >>