للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبو هلال: (رواه هذا الشيخ قد تصدعوا) وتضعضعوا أجود لأن روى البيت الذي قبل هذا البيت تصدع البيت:

نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه تكاد الجبال الشم منه تصدع

ولم يكن هشام ليوطئ في بيتين متواليين ومع إمكان القوافي له، وإذا وقع الإيطاء في بيتين متباعدين في القصيدة كان أقل عيبًا، وكلما تقاربا كان عيبه أشد فإذا تواليا فهو غاية في العيب ولا نعرفه لمجيد) فكأن أبا هلال يرى أن رواية الشيخ قد نفت عن الشاعر الجودة حيث جعلته يقع في غاية العيب من الايطاء، وهذا بطبيعة الحال يمتنع معه أن يكون من ذوي الاختيار في الحماسة، وهو اختيار بناه صاحبه على الجيد من القول.

وقد يؤدي التحريف إلى مخالفة الكلام لما هو جار على عادة العرب، وذلك مثل قول برج بن مسهر:

فقمنا والركاب مخسيات إلى بزل مرافقهن كوم

فقد عرض أبو هلال لشرح معنى الركاب ومعنى مخسيات قبل أن يتصدى لتحريف الشيخ في رواية هذا البيت قال: (الركاب الإبل لا واحد لها من لفظها، والمخسيات المذللات والتخييس التذليل، ومنه قيل للسجن مخيس، وأصل الكلمة من اللين يقال: خيست الكتان إذا ألقيت بعضه على بعض في الماء ليلين) ثم تصدى لتحريف رواية الشيخ فقال: (رواه هذا الشيخ محبسات على أنها تحبس ولا أعرف ما الذي تحبسه الركاب ثم تناول تحريفًا آخر، وهو أن يروي البيت (مخسيات) قال: (ولعل قائلا مخسيات أنها تخيس أصحابها أي تذللهم) فرد هذه الرواية بقوله: (فيكون ذلك قولًا مردودًا لأنه ليس من عادة العرب أن يصفوا الإبل بتذليل أصحابها وإنما العادة أن يصفوها بالذل -وهو خلاف الصعوبة- فيقولوا: ناقة مياسرة إذا كانت لا تصعب على راكبها فالوجه أن يروي ها هنا "مخسيات" بالفتح ليكون الكلام جاريًا على عادة العرب).

<<  <   >  >>