للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على أن أهم ما تعرض إليه أبو هلال من تحريف في الرواية هو قضية إرجاع الضمائر علي الوجه الصحيح الذي يسير وفق ضوابط اللغة، ووفق طريق الصنعة في الشعر فضًلا عن أداء المعني بالصورة التي أرادها الشاعر، وهو أمر سبق أن تعرضنا له في حديثنا عن ابن جني الذي تكلم في مسألة إرجاع الضمائر من حيث التذكير والتأنيث، وما انتهي إليه الأمر بينه وبين أبي الطيب المتنبي في هذا الخصوص، فأبو هلال في رسالته هذه رأيناه يهتم كثيرًا بهذا الجانب في رده روايات هذا الشيخ، وذلك لأن إعادة الضمير إلي غير وضعه الصحيح تؤدي إما إلي خلل في قواعد العربية التي قعدها النحاة أو غلي قلب في المعني. ومثال ما يؤدي إلي خلل في قواعد العربية ما جاء في البيت القائل:

إن الأمور دقيقها مما يهيج له العظيم

فقد جاءت رواية الشيخ فيه "مما يهيج لك" فقال أبو هلال: "ليست هذه الرواية بالمستقيمة، وذلك أن الأمور منصوب بأن، ودقيقها بدل من الأمور، ومما يهيج .... إلى آخر البيت خبر، والهاء في "له" راجعة إلي اسمها من الخبر ولو قال: "لك " لما صح الكلام لأنه ليس له في الخبر رادع إلي لاسم يرتبط به الكلام".

أما مثال ما يؤدي إلي قلب المعني عما هو مراد له فقد جاء ف بيت الغزل وروايته الصحيحة هكذا:

أرادت لتنتاش الرواق فلم تقم ... إليه ولكن طأطأته الولائد

فقد رواه الشيخ صاحب النسخة "طأطأتها" بتأنيث الضمير بدلاً من تذكيره فقال أبو هلال مناقشًا هذا التحريف بادئًا بمعني البيت: "يصف امرأة بالكسل والنعمة، ويذكر أنها مكفيه أي أنها أرادت لتتناول رواق البيت لغرض لها فيه فلم تقم لتكاسلها عن حوائجها ولكن طأطأت الولائد وهي الإماء الرواق إليها فقضت من تناولها وطره من غير أن تتجشم القيام إليه، والتناوش التناول. ومنه قوله

<<  <   >  >>