للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أقدم فيهم دعلجًا وأكره إذا أكرهوا فيه الرماح تحمحما"

وهذا يدفعنا إلي إيراد ما أشرنا إليه في فصل سابق أن أبا عبد الله النمري أخذ ديوان الحماسة عن أبي رياش، وأخذه أبو رياش عن أبي المطرف الأنطاكي الذي أخذه بدوره عن أبي تمام، وجل الذين شرحوا الحماسة أفادوا بأن الحماسة إما وقعت لهم عن طريق أبي رياش أو الحسن بن بشر الآمدي، فهما اللذان أخذا الحماسة عن أبي المطرف، وسند أبي رياش أساسه النمري، وسند الآمدي أساسه أبو الحسين بن دينار، هذا فضلًلا عن أن الحماسة قد أخذت مما خطه أبو تمام بقلمه وتركه في بيتت آل بهمذان، ولهذا تعددت نسخ الحماسة بناء علي اختلاف هذه المصادر، ومن الطبيعي أن يرجع الشراح وهم يشرحون ما فيها من شعر إلى هذه النسخ، ويقارنوا بينها وبين ما أخذوه من شيوخهم، ومن ثم فلا مجال لاعتراض أبي محمد الأعرابي علي النمري واهتمامه بأنه يأخذ روايته من الصحف، لأنه ان كان ثمة خلل في رواية النمري فمرده إلي أمرين: أحدهما أبو تمام الذي كان في اختياره يفاضل بين روايات الشعر فيأخذ منها ما يوافق ذوقه ورؤيته السليمة للشعر، والآخر اختلاف نسخ الحماسة التي كان يرجع إليها الشراح. وصحيح أن العلماء الأوائل كانوا يعترضون علي الأخذ من الصحف، ويعولون كثيراً علي الأخذ شفاهه عن الشيوخ، وهذا واضح مما جاء عن ابن سلام فقد قال" إذا اختلفت الرواة وقالوا بآرائهم وقالت العشائر بأهوائهم فلا ينفع الناس في ذلك إلا الرواية عن من تقدم"، غير أنه في زمن النمري كان عهد الرواية الشفهية قد بدأ يتلاشى ليحل محله عهد جديد قوامه الكتب، وسجلوا أعمالهم في كتب أخذها عنهم تلاميذهم قراءة عليهم أو سماعاً منهم أو إجازة بقراءتها وشرحها للناس، ومن ثم فإن من الغبن والتعسف أن يأتي أبو محمد الأعرابي ليأخذ علي النمري شيئًا هو نفسه لم يسلم منه، لأنه وإن كان يعول كثيراً علي أخذه مشافهة عن شيخه أبي الندي فإنه كان يرجع إلي ما أسماه بالصحف، ولقد مر بنا فيما سبق قوله في

<<  <   >  >>