للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي بيت معن بن أوس الذي يقول فيه:

لعمرك ما أدري وإن لأجل ... علي أينا تعدو المنية أول

أشار أبو محمد إلي ما ذكره النمري أن البيت يروي تغدو بالغين معجمة من الغدو ثم قال: "كنت قد ذكرت أن مثل هذا من الشعر لا يكاد يعرف معناه محققًا إلا بالقصة المتعلقة به، فاشتغل أبو عبد الله عن الأهم وذكر يغدو ويعدو بالغين والعين، وكان من قصة هذا الشعر أنه كان لمعن بن أوس صديق، وكان معن متزوجًا بأخته، فاتفق أنه طلقها وتزوج بأخرى، فآلي صديقه أن لا يكلمه أبدًا، فأنشأ معن يقول يستعطف عليه ويسترقه له" ثم أورد البيت كما رواه النمري وقال: وهذا كما قال الأخر:

فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معًا كفي بالممات فرقًة وتناءيا

والحق أن ذكر المناسبة في شرح الشعر يصور الجو النفسي الذي قال فيه الشاعر شعره، ويبين الدوافع التي حركت وجدانه إلي قوله. ولكن ليس بالضرورة دائمًا أن يكون فهم المعني مقصورًا علي ذلك، ففي هذا المثال وسابقه يمكن للشارح أ، يشرح البيت دون ذكر القصة، ولا يخل ذلك بإيراد المعني، بدلالة أننا يمكن أن نشرح هذا البيت الذي أورده أبو محمد الأعرابي "فأكرم أخاك الدهر" وتبين ما فيه من معني دون أن نعرف الدوافع النفسي الذي دفع قائله أو القصة التي كانت وراءه، ومع هذا فأن هذا الأمر من عمل أبي محمد الأعرابي قد حفل بالكثير المتنوع الذي أضاف إلي أعمال الشراح الشيء الوفير من أخبار الشعراء وقصصهم وأشعارهم غير المختارة في الحماسة، ويكفي المتصفح لكتابه أن ينظر فيه ليدرك مدي غزارة علم الرجل في هذه الناحية، ولعلك حين تقف معنا علي نموذج من عمله في هذا الخصوص تدرك قيمة هذا الكلام الذي قللناه، ففي بيت النسيب الذي نسب إلي آخر والذي جاء فيه:

ونبئت سوداء القلوب مريضةً فأقبلت من مصر إليها أعودها

<<  <   >  >>