للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نجد أبا محمد الأعرابي يقف علي عمل النمري فيه فيذكر لنا تقصيه للديمرتي في شرح معني سوداء القلوب، فقد كان الديمرتي قد قال: جعلها سوداء القلوب لقساوة قلبها، وجمع كما تقول: فلان عظيم المناكب وغليظ الحواجب، فاعترض عليه النمري بقوله، إن هذا يدي إلي خطأ كبير لأن الشاعر إنما وصف امرأة معرفة وهي ها هنا علي تفسيره نكرة، فلو قلنا رأيت حسن الوجه لكان نكرة، فإذا أردنا التعريف قلنا: رأيت الحسن الوجه، وكذلك سوداء القلوب، ثم أتي بتفسيره فقال: قوله سوداء القلوب يشتمل علي معنين أحدهما: أن يكون اسمها سوداء فأضافها إلي القلوب لتعلقها بها وحبها لها كقول ابن الدمينة:

قفي يا أميم القلب نقض تحيًة ونشك الهوي ثم افعلي ما بدا لك

والمعني الآخر أن يكون جعلها كسويداء القلوب، وزعموا أنها هنة سوداء تحل القلوب، ويسمي حبة القلب، ويقال إنها موضع الحب والله أعلم.

هذا عمل النمري في تفسير معني "سوداء القلوب" وقف عنده أبو محمد الأعرابي فأتي بمثل كعادته في تتبع عمل النمري وتقويمه فقال: هذا موضع المثل:

تعبين أمرًا ثم تأتين مثله لقد حاس هذا الأمر عندك حائس

ثم قال: الشيخان كلاهما علي خطأ فاحش، وذلك لأنهما لم يعرفا قائل هذا البيت ولا من قيل فيه، ولا القصة التي لا يعرف معناه إلا بها، والصواب:

ونبئت سوداء الغميم مريضةً فأقبلت من مصر إليها أعودها

سوداء الغميم امرأة من بني عبد الله بن غطفان اسمها ليلي ولقبها سوداء وكانت تنزل الغميم من بلاد غطفان، وكان عقبة بن كعب بن زهير ينسب بها، ثم علقها بعده ابنة العوام بن عقبة فكلف بها فهتف بها وكانت تجد به كذلك، فخرج إلي مصر في ميرة فبلغه أنها مريضة فترك وكر نحوها وأنشأ يقول: ونبئت سوداء

<<  <   >  >>