للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأعرابي يخضع لمفاضلة واختيار، فالمفاضلة والاختيار هما المعيار السليم الذي يقاس به ذكر اختلافات الرواية، ولهذا كان لعمل هؤلاء الشراح قيمته في هذا العنصر. أما التبريزي ففضلًا عن أنه كان عالة على المرزوقي في هذا العنصر بصورة لا تخفى على من يقف على الشرحين معًا فإنه كان يورد أقوال هؤلاء الشراح ومناقشاتهم في الرواية واختيارهم لها، يرصفها جنبًا إلى جنب دون أن يتدخل بالوقوف إلى صف واحد منهم بالرأي والتعليل، ولهذا كان عمله في هذا العنصر- كما لاحظه أحمد جمال العمري- مجرد عرض للرواية لا أكثر ولا أقل، لا تخدم القارئ في شيء بل هو في واقع الأمر عمل له خطورته بالنسبة للقارئين والدارسين لأنه يجعلهم غير واثقين من صحة ما يقال وما يروي، إذ أن كثرة الروايات وتضاربها تجعل الشعر بين أذهان هؤلاء القراء والدراسيين ألعوبة غير جديرة بالثقة لكثرة ما طرأ عليه من تغييرات لفظية في الرواية.

وهذا القول الذي ذهب إليه العمري هو خير ما يقال في عمل التبريزي في الرواية، لأننا حين استخرجنا من شرحه كل ما جمعه من الشراح السابقين في الرواية وبدأنا نقرؤه قراءة دراسة متأنية هالنا ما فيه من آراء متضاربة بحيث تجد الرأي ونقيضه في موضع واحد، بل يتجاوز الأمر إلى أن اللفظة الواحدة تراها في رواية هؤلاء الشراح في أكثر من شكل، والكل يحاول أن يدعم روايته لها ذاهبًا إلى أنها هي الرواية وما عداها هو الخطأ، ولا نكون مبالغين إننا في كثير من المواضع التي لفتنا الحيرة فيها بأثرابها تمنينا أن تكون تحت أيدينا نسخة من رواية الحماسة بخط أبي تمام نفسه، بل ربما باعدنا في ذلك فتمنينا أن يكون أبو تمام بين ظهرانينا حتى نسأله عن صحة هذه الأقوال الصادرة عن هؤلاء الشراح، والتي جمعها لنا التبريزي في موضع واحد دون أن يتدخل فيها بعمل يذكر.

وربما يكونه هذا القول غريبًا من باحث يدري هذه الشروح، ولكنه شعور انتابنا في لحظات كثيرة أردنا أن نسجله دالين به على حيرتنا ونحن نقرأ ما جمعه

<<  <   >  >>