للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في بعض الأحيان فإنها تعطي القارئ فرصة الوقوف على أعمال الشراح فلي هذا العنصر، وبخاصة الشروح التي لم تصل إلينا، كما تعطيه فرصة التأمل والاختيار في التأويلات التي كان يذهب إليها العلماء بحيث تتكون لديه حصيلة وفيرة من معاني الشعر تمكنه من فهم النص الأدبي فهما يشمل جميع المعاني المحتملة فيه، وتهيئ له السبيل في إدراك معاني الشعر بعامة، ما اختاره أبو تمام وما لم يختره.

ونحن لا نريد أن نكرر أن التبريزي لم يكن له عمل خاص في هذا العنصر، ولكن مجرد تجميع أقوال العلماء والانتخاب منها يعد عملًا له فائدته، إذ يسهل للقارئ معرفة كل المعاني التي تتصل بالنص دون أن يكلف نفسه عناء قراءة الشروح التي انتخب منها التبريزي. هذا إذا توفرت لديه هذه الشروح. انظر مثلًا إلى هذا العمل في بيت موسى بن جابر الحنفي الذي يقول فيه: -

هلالان حمالان في كل شتوٍة من الثقل ما لا تستطيع الأباعر

فقد نقل أولًا قول المرزوقي فيه قال: "أي هما في الاشتهار والانتفاع بمنزلة هلالين، ويتكلفان في كل جدب ومحل من الأثقال والأعباء ما لو صارت أجرامًا لعجز عن النهوض بها وتحملها البعران". ثم نقل بعده قول النمري الذي قال: "أي هذان الرجلان يحملان من أعباء المغارم وأثقال الصنائع ما لو أنه يوزن لم تستطع حمله الإبل وهي أثقل الحيوان حملًا وأكثره صبرًا".

ولعلك تلحظ أن هذا القول في معنى البيت شبيه بما أورده المرزوقي ولكن التبريزي أورده لكي يورد لأبي العلاء عليه، فقد أتبع قول النمري بما وجده في شرح أبي العلاء الذي قال: "قد تأول النمري له معنى قد يجوز مثله، ولكنه بعيد، وإنما ينبغي أن يحمل الشيء على الشيء على ما كثر، وذلك أنه ذهب- أي الشاعر- إلى أن هذين الممدوحين يحملان من قرى الأضياف ومن نحر الإبل ما لا تستطيعه الأباعر، أي أنها لا تقوى عليه لأنه يهلكها، وهذا مجانس قولهم بنو فلان ظلامون للجزر، وقال ابن مقبل:

عاد الأذلة في داٍر وكان بها خرس الشقاشق ظلامون للجزر

<<  <   >  >>