للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهكذا نلاحظ أن خطوات التبريزي بدأت من شرح الألفاظ ثم المعنى ثم الجوانب الفنية التي تتصل بالأسلوب، وأخيرًا الربط بين البيت وتاليه، وهذه الخطوات المنتظمة في الشرح لها قيمتها في خدمة الغاية التعليمية التي قلنا بأن شروح الحماسة قد ارتبطت بها منذ ظهورها، وظلت كذلك في مختلف العصور التي تنقلت فيها. وهي بغير شك مفيدة في استيعاب القارئ الدارس لشرح الشعر.

وثانية هذه الملاحظات أنه- على كثرة نقله من الشروح دون أن يبدي رأيًا فيما ينقل- كانت له بعض المواقف التي دلت على شخصيته في العلم الانتخابي وهي مواقف- وإن كانت ضئيلة إذا ما قيست بالكثرة الكاثرة التي بدا فيها مجرد جماع ناقل منتخب- فإنها على أية حال دلت على ذاتية فيه، وعلى حضور ذهن فيما كان يعرضه من آراء. ومن أمثلة ذلك عمله في البيتين اللذين وردا في باب الملح وهما:

ولقد غدوت بمشرٍف يافوخه عسر المكرة ماؤه يتدفق

أرٍن يسيل من النشاط لعابه ويكاد جلد أهابه يتمزق

فقد أورد فيهما رأيًا لأبي محمد الأعرابي هو أن الضرب منهما مغير وأن الصواب ما نقله عن شيخه أبي الندى وهو:

ولقد غدوت بمشرٍف يافوخه عسٍر المكرة ماؤه يتفصد

مرٍح يمج من المراح لعابه ويكاد جلد أهابه يتقدد

حتى علوت به مشق ثنيٍة طورا أغور بها وطورًا أنجد

فعلق التبريزي على هذا بقوله: "والبيتان معروفان وهذه الأبيات الثلاثة غريبة، ولا يمتنع أن تكون هذه غير البيتين، فقد يقع الحافر على الحافر حتى لا تختلف كلمة من البيت غير ما يتعلق بالقافية نحو قول امرئ القيس:

يقولون لا تهلك أسى وتحمل

<<  <   >  >>