للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إفادته من اللغة والنحو جاءت وفق منهجه، فهو يشرح الألفاظ والتراكيب إن رأى أن ظاهر النص يقتضي ذلك، فإن كان النص لا يشتمل على الغريب الذي يحتاج إلى شرح أتى بالمعنى مباشرة، وربما رأى أن في شرح الألفاظ ما يدل على المعنى فيشرح الألفاظ فقط دون أن يأتي بالمعنى. على أنه إن كان في غلبة شرحه يحقق ما ذكرنا فإنه أحيانًا كان يركز على جانب لغوي يعرضه ويكتفي به في عملية الشرح، وأحيانًا أخرى يركز على لفظة نحوية يعرضها ثم لا يذكر بعدها شيئًا في النص، فمثلًا في بيت حرقة بنت النعمان القائل:

فأٍف لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب تاراٍت بنا وتصرف

نراه يقف عند لفظة "أف" فقط فينقل عن ابن جني قول أبي علي الفارسي: "إن في أف سبع لغات أُفِّ وأَفَّ وأَفَّ وأُفُّ، وأُفَّاِّ وأُفٌّ وأُفٍّ وأِفى ممال، وزاد غيره أُفْ خفيفة، وهذه اللفظة أحد الأسماء التي سمي بها الفعل في الخبر وهي اسم لتضجرت، فهي مبنية من حيث بنيت الأسماء فمن ضم أتبع الضم الضم، ومن فتح فللخفة لأن التضعيف ثقيٍل، ومن كسر فعلى أصل حركة التقاء الساكنين، ون نون أراد التنكير أي تضجرًا، ومن لم ينون نوى التعريف أي التضجر، ومن خفف فلأنه هرب من ثقل التكرير".

ونحن لا ننكر أن مثل هذا العمل الذي كان يقوم به ابن جني في التنبيه عمل له قيمته في مجال المنهج العلمي التخصصي، أما إدخاله في عمل يقوم على المنهج الاختصاري التسهيلي فيعد اضطرابًا في الالتزام بالمنهج وحللًا في ضبط المقومات التي قام عليها، ولكن يبدو أن الشراح على مختلف مناهجهم كانت تتجاذبهم أهواؤهم أثناء عملية الشرح، فالأهواء هي التي تخرجهم من حدود مناهجهم التي ارتضوها لأنفسهم، ومنهم هذا الشارح الذي كان يدفعه هواه إلى الانسياق وراء ابن جني في نقل أمور عنه لا تتفق مع منهجه، غير أن ذلك لم يرد عنه كثيرًا بحيث يجعل المنهج مختلًا اختلالًا ظاهرًا وإنما وقوعه كان في ندرة لا تحيل منهجه إلى منهج ابن جني.

<<  <   >  >>