للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهو إذا كان ينزع إلى الانسياق وراء ابن جني في بعض مسائل اللغة فقد كان يفعل ذلك في مسائلا لنحو، ومن أمثلة ذلك عمله في بيت عصام بن عبيد الزماني الذي جاء في باب الرثاء، والذي يقول فيه:

لو عد قبٌر كنت أكرمهم ميتًا وأبعدهم من منزل الذام

فقد قال فيه: "لم يرد لو عد قبران، وإنما أراد لو عدت القبور قبرًا قبرًا" وكان منهجه يقتضي أن يكتفي بهذا القول في شرح هذا التركيب ولكنه انساق بهواه مع ابن جني فنقل عنه ما يعد استطرادًا في المنهج قال: "ولو قال لو عد قبر قبر لم يجز الرفع كما جاز الأول، وذلك أن هذا من مواضع العطف، فحذف حرفه بضرب من الاتساع، وهذا الاتساع خاصة إنما جاء في الحال نحو فصلت الحساب بابًا بابًا، ودخلوا رجلًا رجلًا أي متتابعين فلو رددت على البدل لم يجز، وعلى هذا قالوا: هو جاري بيت بيت ولقيته كفة كفة، فاتسعوا بالبناء مع الحال، ونحوها في ذلك الظرف نحو قولك كان يأتينا يوم يوم، وليلة ليلة، وأزمان أزمان، وصباح مساء، فإن خرجت به عن الظرفية لم يجز البناء، ألا تراك تقول: هو يأتينا كل صباح ومساء وفي ليلة ليلة فتعرب البتة".

فهذا الاستطراد في شرح مسائل اللغة والنحو خلل في المنهج، ولولا أن غلبة عمله المطلقة جاءت وفق منهجه، وأن انسياقه مع ابن جني في الاستطرادات اللغوية والنحوية كان ضئيلًا لا يقاس بهذه الغلبة لما قام تطبيقنا لهذا المنهج في هذا الشرح.

ونحن إذا نظرنا إلى هذا الشرح بعيدًا عن هوى صاحبه نحو ابن جني وجدنا أنه يستفيد من علماء اللغة في خدمة شرح الألفاظ والتراكيب، ولكنها استفادة محكومة بضوابط منهجه الذي اتبعه فمثلًا في بيت الحصين بن الحمام الذي يقول فيه:

من الصبح حتى تغرب الشمس لا ترى من القوم إلا خارجيًا مسوما

<<  <   >  >>