رأينا من خلال العنصر السابق أن صاحب هذا الشرح كان يعالج معاني الشعر وفق مسار متصل باللغة والنحو، فهو يعالج الألفاظ لغويًا ثم يورد المعنى، وقد يطرح مسألة إعرابية يستعين بها على إيضاح المعنى، وهو حين يعرض المعاني يعرضها بعبارات سهلة غايتها أداء الغرض في غير تنميق للأسلوب أو تخير للألفاظ، فهو في أسلوبه مختلف عن أصحاب المنهج الإبداعي الذين رأيناهم في تطبيق المرزوقي يتخيرون الألفاظ ويجودون سبكها في قالب أدبي رفيع، ومختلف كذلك عن أصحاب المنهج العلمي التخصصي الذين رأيناهم في تطبيق ابن جني يعمدون إلى العبارات التي تدل على أسلوب علمي بحت، إنه حين يعرض المعنى يعرضه مجردًا دون اللجوء إلى عبارات إيحائية مؤثرة، فأسلوبه في عرض المعنى لا هو بالأدبي الذي يمتع قارئه ويؤثر في وجدانه، ولا هو بالعلمي الذي يثير الذهن ويمتع العقل، إنه أسلوب أشبه بنثر البيت لا أكثر ولا أقل، ففي بيت عمرو بن معدي كرب الذي يقول فيه:
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت
نراه يعرض معناه فيقول:"لو أن قومي ثبتوا في الحرب وصفتهم في الشعر وذكرت مفاخرهم، ولكنهم انهزموا وطرحوا الرماح التي حقها أن يطعن بها، فكأن الرماح شقت لساني فلم أقدر على ذكرهم".
وفي بيت جابر بن رالان السنبسي الذي يقول فيه:
فإن تبغضونا بغضًة في صدوركم فإنا جدعنا منكم وشرينا
نجده يعرض المعنى بإيجاز بالغ حيث يقول:"المعنى إن تبغوضونا فحق لكم ذلك لأنا قهرناكم وذللناكم وبالغنا في الإساءة إليكم".