وهو بجانب عرضه للمعنى في أسلوب سهل مباشر كان يهتم بعرض المعنى في أكثر من وجه، وذلك وفق ما وقف عليه في شروح السابقين من معان، ففي بيت عبدة بن الطبيب الذي يرثي فيه قيس بن عاصم وهو:
عليك سلام الله قيس بن عاصٍم ورحمته ما شاء أن يترحما
نراه يعرض له وجهين في المعنى أحدهما صوره بقوله:"أي عليك سلامه ورحمته أبدًا لأن الله تعالى أبدًا يشاء الرحمة" والآخر صوره بقوله: "وقيل المعنى سلام الله ورحمته كثيرًا كقولك أصابنا ما شاء الله من الغيث، ورأينا من الخير ما شاء الله".
وفي بيتي جران العود اللذين يقول فيهما:
يوم ارتحلت برحلي قبل برذعتي والعقل متلٌة والقلب مشغول
ثم انصرفت إلى نضوي لأبعثه أثر الحمول الغوادي وهو معقول
نجده يصور معناهما فيقول:"هذا يصف اهتمامه بالفراق وتحيره حتى لا يدري كيف وجه الشيء فيأتيه من قبله، ألا تراه جعل الرحل قبل البرذعة ثم انصرافه إلى بعيره ليبعثه وهو معقول". ثم نقل رأيًا لأبي عبد الله النمري يتصل بالمعنى قال: قال النمري: "كذا روى أبو تمام هذين البيتين- والصواب عندي أن الأخير أول والأول أخير، وإلا كيف يرتحل عنه وهو ينصرف إليه" ثم أضاف: وغير النمري يقول هذا كله لدهشته لأنه قدم ما يؤخر وأخر ما يقدم".
وكان حق الشارح أن يعقب هنا على الخطأ الذي وقع فيه النمري في تفسير ارتحلت، وقد نبه إلى هذا الخطأ أبو محمد الأعرابي حيث أفاد بأن البيتين على ما روى أبو تمام صحيحان، وإنما جاء هذا الوهم لأبي عبد الله النمري من حيث أنه فهم من قوله "ارتحلت" معنى الرحيل، ولم يقصد الشاعر إلى ذلك وإنما قصد "ارتحلت"