والتقدير المشكل إلاّ المتنبئ، ولذلك مالّ إليه أبو علي وابن جني لأنه يوافق صناعتهما، ولا ينفع شهادة أبي علي له بالشعر لأن أبا علي معرب لا نقاد، وإنما ينفعه شهادة مثل العسكريين وأبي القاسم الآمدي، فإنهم أئمة يقتدي بهم في نقد الإعراب)).
ولهذا فلا غرابة أن نجد أبا هلال يعني بهذا الجانب في شرحه للحماسة، وهو فيه يسير وفق اتجاهين: اتجاه ينتقد فيه الروايات، واتجاه ينقد فيه الأشعار التي ضمّها اختيار الحماسة، وفى المسارين معًا كان ينظر إلي اللغة وما تؤديه من معان، وينتظر إلى المعاني نفسها من حيث صحتها وجودتها، أو من حيث فسادها ورداءتها.
ففي جانب تقد الرواية مثلًا نجده في بيت الرثاء الذي جاء في قطعة لعبدة بن الطبيب وقد روى هكذا:
ينتقد رواية ((غرض الردى)) فيقول: ((غرض الردى بالغين معجمة أي هدف الردى صباح مساء، وهذه صفة لجميع الناس، وليس فيه تخصيص لأحد، والجيد ((عرض الردى)) بالعين غير المعجمة من قولهم: فلان بعرض الأمر أي بحيث يناله ولا يخطئه، واذا كان كذلك عاش عيشة نكدة لتوقعه له لأنه بصدده، أي جعله