لغير من ذكره أبو تمام دون أن يقطع في ذلك يرجه لادراكه بأن المصادر الأولى لرواية الشعر التي اعتمد عليها العلماء الرواة كانت مختلفة، وحسبه في هذه الحال أن يشير إلى أن هذا النص أو ذاك قد وجده منسوبًا إلى غير الذي ذكره أبو تمام في المصادر التي توفرت لديه، وهذا إنما يقع منه في النصوص التى لم يكن فيها على يقين في أمر نسبتها أما ما كان فيها على يقين فانه يقطع فيه برأي واضح على النحو الذي رأيناه في حماسيتي الأخضر بن هبيرة والخصف بن معبد.
وبجانب ما أوردناه لأبي هلال من عناصر كان لعنصر المعاني وجود في هذه النقولات، غير أن ذلك كان في مواضع قليلة، وذلك أن التبريزي _ وهو معتمدنا الأول في هذه الدراسة _ كان في منهجه الانتخابي يعوّل كثيرًا على المرزوقي في عنصر المعاني لا على أبي هلال، ولذا كانت نقولاته منه في هذا العنصر لا تتجاوز في الحسبة أصابع اليد الواحدة. أما البغدادي فلم ينقل عنه في هذا العنصر سوى في موضوع واحد، ومع ذلك فاننا من خلال هذه النقولات القليلة نحاول أن نتعرف على طريقة الرجل في معالجته لمعاني النصوص.
وأول ما نلحظه في هذه النقولات أنه أحيانًا كان يعرض معنى النص قبل شرح ألفاظه، وذلك مثل ما جاء عنه في بيت ابن زيّابة القائل:
فقد أورد معناه أولًا قال:((زيابة أبوه يقول: يا لهف أبي على الحارث إذ صبّح قومي بالغارة فغنم وآب سالمًا أن لا أكون لقيته فقتلته، إنما يريد يا لهف نفسي فأقام أباه مقام نفسه)) ثم وقف بعد هذا عند لفظة ((الصابح)) فقال: ((يقال: صبّح الرجل القوم _بالتشديد _كما قال الله تعالى: ((ولقد صبحهم بكرة عذابّ مستقر))، وصبحهم _ بالتخفيف _ إذا سقاهم صبوحًا فقوله ((الصابح)) فكأنه جعل الغارة لهم صبوحًا، وقيل: صبّحته في الغارة بمعنى)).