للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم رجع إلى التّيحان فقال: ((والتّيحان يروى بكسر الياء وفتحها وهو الذي يعترض الأمور)) ثم عرض إلى قصد آخر للشاعر قال به بعض القوم قال: ((وذهب قوم إلى أنه يعني بأشوس تيحان فرسًا وادعوا أن الزبونة الأذن وأنه كنى بالزبونات عن رأس الفرس وهاديه لأن أذنيه يكونان فيه)) ولم ينكر أبو العلاء هذا التفسير في قصد الشاعر بل قال: ((فاذا صح ذلك فهو مثل قولهم رماهم بهادي فرسه وبغرته ونحو ذلك كما قال عنترة:

مَا زِلْتُ أَرْميهِمِ بِغُرَّةِ وَجْهِه))

وهو هنا نراه ينظر في التحليل اللغوي للألفاظ إلى ما يمكن احتماله في كلام العرب وأشعارها، وهي نظرة شملت جزءًا كبيرًا من عمله اللغوي، إذ كثيرًا ما نراه لا يفسر اللفظة من حيث سياقها فحسب بل ينظر إلى ما تعطيه من مدلول في احتمالات معانيها المتعددة، وينظر إلى عدم تنافي هذه الاحتمالات مع السياق من جهة ومع ما هو سائر في كلام العرب من جهة أخرى، ومن ذلك وقفته في الفعل ((تَعُدُّ)) من بيت راعي الابل النميري الذي يقول فيه واصفًا امرأة دعاها إلى جفنة طعامه:

فَبَاتَتْ تَعُدُ النَّجْمَ فيِ مُستَحِيرَةٍ سَرِيعٍ بِأَيْدِي الآكِلِينَ جمُودُهَا

قال: ((كان بعض الناس يجعل تعد هنا من العدد أي أن هذه المرأة تعد النجم في الجفنة المستحيرة أي المملوءة لأنها ترى خيال النجوم فيها، وقد يجوز هذا الوجه)) ثم نظر إلى احتمال آخر لمعنى ((تَعُدُّ)) فقال: ((وقد يحتمل أن يكون ((تَعُدُّ)) في معنى تحسب وتظن، وأصله راجع الى العدد الا أنه قد أخرج بعض الاخراج كما قال:

اِذَا وَلّيْتَ مَعْرُوفًا لَئِيَمًا فَعَدُّكَ قَدْ قَتَلْتَ لَهُ قَتيلًا

أى فاظنن أنك فعلت ذلك، والمراد أن المرأة تحسب النجم في الجفن لما تراه من بياض الشحم)).

<<  <   >  >>