للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهو يستغرق في شرحه اللغوي استغراقًا منقطع النظير بحيث يوفي اللفظة الواردة في البيت وما تدل عليه من معان حقها في التفسير والتحليل، وذلك مثل عمله في لفظة ((قعاد)) الواردة في بيت عبد الله بن أوفى الخزاعي وهو:

فَبِئْسَتْ قُعَادُ الفَتَى وَحْدَهَا وَبِئْسَتْ مُوفِّيَةُ الأَربَعِ

قال أبو العلاء: ((قعاد الفتى ما يقعده في بيته لأن المرأة تسمى قعيدة، وهي من القعود في البيت)) وكان حق تفسير اللفظة أن ينتهي عند هذا الحد، غير أن أبا العلاء مضى مفسّرًا لفظة ((القعود)) في معنى آخر قال: ((ومن ذلك أخذ القعود من الابل وهو الفتى الذي قد صلح أن يقعد عليه الراكب) وانطلق من هذا إلى مجال أوسع فقال: ((والقعود كلمة اتسع فيها المتكلمون حتى قال أصحاب الأضداد: يقال: قعد في معنى قام، وليس ذلك إلا على المجاز لأن القاعد خلاف المضطجع، فلما كان ذلك خروجًا من حال الضجعة إلى ما هو أعظم للشخص ظن السامع أن قعد في معنى قام، وقول النابغة:

والبَطْنُ ذُو عَكَنٍ خمِيصٌ نَاعِمٌ والنَّحْرُ تَنْفُجُه بِثَدْيِ مقْعَدِ

أراد أنه لم ينكسر للكبر فكأنه قاعد، ولو قيل جارية قائمة الثدي لأدى ذلك معنى قولهم ثدي مقعد، فمن هذه الجهة تأوّل بعض الناس أن قعد يكون في معنى قام)).

فانظر إلى هذا الاستغراق في التفسير اللغوي الذي يدل على مدى اتساع علم الرجل في اللغة وتفسيرها ومناقشة من له رأي في معاني ألفاظها، وهو استغراق لم يقع منه في تحليل الألفاظ فحسب بل نجده لديه في تحليل التراكيب، غير أنه كان في هذا الجانب أكثر تمسكًا بما هو مشهور في كلام العرب وبما هو متفق مع سياق البيت، ففي بيت الأشتر النخعي القائل:

بَقَّيْتُ وَفْرِي وانْحَرَفْتُ عَنِ العُلاَ وًلِقيتُ أَصْحَابِي بِوجْهِ عَبُوسِ

<<  <   >  >>