للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى ذلك جميع ما يرد، فاذا قال القائل: جعل زيد فعله يجمل ولم يأت بلفظ الفعل فانما يحمله على المعنى كأنه قال: جعل زيد يجمل))

أما في جهة الاعراب فقد كان ينظر من خلاله إلى المعنى، ومن ذلك ما جاء عنه في بيت يزيد بن الحكم الثقفي الذى يقول فيه:

والَمرْءُ يَبْخَلُ في الحُقُو قِ وَلِلْكَلَالَةِ مَا يُسِيمُ

فقد وقف عند إعراب ((ما)) في قوله ((ما يبسيم)) فبّين وجوه الاعراب فيها ناظراً إلى المعنى في كل وجه قال: ((ما فيه يجوز أن تكون زائدة، ويكون المعنى أنه يخلي ماله للكلالة فكأنه أسامه فيهم كما يقال: تركت مالي في بني فلان، ويجوز أن يكون ((ما)) في معنى الذي أي والذي يسميه في رزق الكلالة، ولا يبعد أن يكون ((ما)) وما بعدها في معنى المصدر كأنه قال: واسامته لماله للغير لا لنفسه)).

ومن الملاحظ في عمل أبي العلاء النحوي أنه كان دقيقًا في مناقشة أساليب الشعراء ومراعاة أن تكون تراكيبهم جارية على سنن كلام العرب، فإذا رأى التركيب لدى الشاعر قد خرج عن هذا الحد ناقشه منتقدًا في دقة، قال في بيت زميل ابن أبير الوارد في باب الهجاء:

فَجِئْتَ ابنَ أَحْلاَمِ النِّيَامِ وَلَمْ تَجِدْ لِصِهْرِكَ اِلاَّ نَفْسَهَا مَنْ تُبَاعِلُ

((نصب ابن احلام النيام على الحال، وتأوّل انفصال الاضافة كأنه قال: فجئت ابنًا لأحلام النيام، والانفصال يكثر إذا كانت الصفة الجارية على الاسم الأول موضوعة للاسم الثاني في الحقيقة كقولك مررت برجل حسن الجارية فالمغنى حسن جاريته فالحسن للجارية، وليس ذلك موجودًا في مثل قوله ابن أحلام النيام لأن الابن ليس هو للأحلام، فكان ذلك منافيًا لقولك مررت برجل جميل الأصحاب لأن الأصحاب هم الذين حكم لهم بالجمال))

<<  <   >  >>