أما عنصر المعاني فاحلق أن ما نقله التبريزي من عمل أبي العلاء فيه كان ضئيلًا بالقياس إلى عنصر شرح الأسماء والأعلام وعنصر اللغة والنحو، وذلك لأن التبريزي كما أشرنا في أكثر من موضع كان يعوّل في عنصر المعاني على المرزوقي لا غير، ومن ثم جاءت نقولاته في عنصر المعاني من أبي العلاء وغيره من الشراح الذين انتخب شرحه منهم قليلة جدًا، ولكن هذا لا يمنع من أن نقول إن هذا القليل الذي جاءنا عن أبي العلاء يعطي مؤشر عناية منه بهذا العنصر، فلا شك أن الشارح الذي يعني باللغة والنحو هذه العناية التي رأيناها يكون من الطبيعي أن يعني المعاني، فاللغة والنحو تنبثق عناية الشارح بهما باعتبار أن ما يثيره فيهما يكون وسيلة لشرح ألفاظ النص وتراكيبه، ولقد رأينا أبا العلاء في تحليله لغة وقضاياها ولقواعد النحو ومسائل الإعراب ينظر دائمًا إلى مقاصد الشعراء ومعاونيهم، ومن ثم فليس بصحيح ما ذهب إليه الدكتور عسيلان حين أشار إلى أن عناية أبي العلاء بالجانب اللغوي جعلته لا يدقق النظر في معاني الشعر، وأنه يعمد إلى عرض المعنى بصورة تكاد تكون نثرًا للبيت.
وكذلك ليس بصحيح ما أشار إليه الدكتور العمري من أن أبا العلاء حين تصدى لشرح الحماسة كان مقتصدًا على بعض النواحي اللغوية والتأويلات المعنويّة.
فقول الدكتور عسيلان مدفوع من وجهين أحدهما: أن شرح أبي العلاء لم يصل إلينا كاملًا وإنما وصل إلينا بعض منه عن طريق نقولات قرأناها في شرح التبريزي، والتبريزي كما أوضحنا آنفًا لم يكن يعتمد في شرحه الانتخابي في عنصر المعاني على أبي العلاء، وإذا نقل عن أبي العلاء شيئًا في جانب المعاني فإن هذا يقع غالبًا في المواضع التي يكون أبو العلاء مخالفًا فيها المرزوقي أو غيره في فهم البيت وإيراد معناه، ومن ثم فإن القول بأن اهتمام أبي العلاء قد جعله لا يدقق في المعاني قول لا ينبغي أن يقال إلّا إذا وقفنا على أعمال الرجل كاملة في عنصر المعاني. هذا فضلًا عن أن نقولات التبريزي لا تدل على ذلك بل إننا رأيناه يناقش آراء